قال سيبويه : عطف على موضع قوله : «يا جبال» لأنّ موضع المنادى المفرد نصب ، وقيل : نصبها بإضمار فعل تقديره : وسخّرنا الطير ، (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) معناه : جعلناه ليّنا ، وروى قتادة وغيره : أنّ الحديد كان له كالشّمع ؛ لا يحتاج في عمله إلى نار (١) ، و «السابغات» : الدّروع الكاسيات ذوات الفضول.
وقوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قال ابن زيد : الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي : لا تعملها صغيرة فتضعف ؛ فلا يقوى الدّرع على الدّفاع ، ولا تعملها كبيرة ، فينال لابسها من خلالها (٢).
وقال ابن عباس : التقدير : الّذي أمر به هو في المسمار (٣) ، وذكر البخاريّ في «صحيحه» ذلك ؛ فقال : المعنى : لا تدقّ المسمار فيتسلّل ولا تغلظه فينقصم بالقاف ، وبالفاء أيضا رواية.
ت : قال الهرويّ : قوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) «السرد» متابعة حلق الدّرع شيئا بعد شيء حتى يتناسق ، يقال : فلان يسرد الحديث سردا ، أي : يتابعه. انتهى.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (١٣)
وقوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) المعنى : ولسليمان سخّرنا الريح ، و (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ).
قال قتادة : معناه : إنها كانت تقطع به في الغدوّ إلى قرب الزوال ؛ مسيرة شهر ،
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٥١) (٢٨٧٣٠) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٠٧) ، وابن كثير في «تفسيره» (٣ / ٥٢٧) بنحوه ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن قتادة بنحوه.
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٥١) (٢٨٧٣٤) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٤ / ٤٠٨)
(٣) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٣٥٢) رقم (٢٨٧٣٥) بنحوه ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٠٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٤٢٧) بنحوه ، وعزاه لعبد الرزاق ، والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما.