إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (٤٣)
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) تقدّم تفسيره و (مُحْضَرُونَ) من الإحضار والإعداد ، ثمّ كرّر القول ببسط الرزق لا على المعنى الأوّل ؛ بل هذا هنا على جهة الوعظ ، والتزهيد في الدّنيا ، والحضّ على النّفقة في الطاعات ، ثمّ وعد بالخلف في ذلك. إمّا في الدنيا ، وإمّا في الآخرة ، وفي «البخاري» أنّ ملكا ينادي كلّ يوم : اللهمّ ، أعط منفقا خلفا ، ويقول ملك آخر : اللهمّ ، أعط ممسكا تلفا (١). وروى الترمذيّ عن أبي كبشة الأنصاري : أنّه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه ، قال : ما نقص مال عبد من صدقة ، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلّا زاده الله عزّا ، ولا فتح عبد باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر ، أو كلمة نحوها» (٢) الحديث ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح ، انتهى. وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ...) الآية : تقدّم تفسير نظيرها مكرّرا ؛ وفي القرآن آيات يظهر منها أنّ الجنّ عبدت في سورة الأنعام وغيرها ؛ ثمّ قال تعالى : (فَالْيَوْمَ) أي : يقال لمن عبد ومن عبد : «اليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرّا».
(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)
وقوله تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها ...) الآية المعنى : أنّ هؤلاء الكفرة يقولون بآرائهم في كتاب الله ، فيقول بعضهم : سحر ، وبعضهم : افتراء ، وذلك منهم تسوّر لا يستندون فيه إلى أثارة علم ؛ فإنّا ما آتيناهم من كتب يدرسونها ؛ وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير يباشرهم ويشافههم فيمكنهم أن يسندوا دعواهم إليه.
وقوله تعالى : (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) الضمير في : (بَلَغُوا) يعود على قريش ، وفي آتيناهم على الأمم الّذين من قبلهم ، والمعنى : من القوّة والنّعم والظهور في
__________________
(١) أخرجه البخاري (٣ / ٣٥٧) كتاب الزكاة : باب قول الله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ...) حديث (١٤٤٢) ، ومسلم (٢ / ٧٠٠) كتاب الزكاة : باب في المنفق ، حديث (٥٧ / ١٠١٠)
(٢) أخرجه الترمذيّ (٤ / ٥٦٢ ـ ٥٦٣) كتاب الزهد : باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر ، حديث (٢٣٢٥). وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن صحيح.