ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (٦٠) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (٦١) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (٦٢) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (٦٣) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (٦٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (٦٥) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٦٦)
وقوله سبحانه : (مِنْها خَلَقْناكُمْ) يريد من الأرض (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) أي : بالموت ، والدفن. (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ) أي : بالبعث ليوم القيامة.
وقوله : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا) إخبار لنبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم.
وقوله (كُلَّها) عائد على الآيات التي رآها فرعون ، لا أنه رأى كلّ آية لله عزوجل وإنما المعنى : أن الله أراه آيات ما ؛ كاليد ، والعصا ، والطمسة ، وغير ذلك. وكانت رؤيته لهذه الآيات مستوعبة يرى الآيات كلّها كاملة. ومعنى (سُوىً) أي : عدلا ونصفة ، أي : حالنا فيه مستوية.
وقالت فرقة : معناه مستويا من الأرض ؛ لا وهد فيه ، ولا نشز ، فقال موسى : (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) وروي أنّ يوم الزينة كان عيدا لهم ، ويوما مشهورا.
وقيل : هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم.
وقوله : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ) عطفا على (الزِّينَةِ) ؛ فهو في موضع خفض.
(فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ) أي : جمع السحرة ، وأمرهم بالاستعداد لموسى ، فهذا هو كيده.
(ثُمَّ أَتى) فرعون بجمعه ، فقال موسى للسحرة : (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) وهذه مخاطبة محذّر (١) ، وندبهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه ، وألّا يباهتوا بكذب ؛ (فَيُسْحِتَكُمْ) أيّ : فيهلككم ، ويذهبكم ، فلما سمع السحرة هذه المقالة ، هالهم هذا المنزع ، ووقع في نفوسهم من هيبته شديد الموقع. و (فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ) والتنازع يقتضي اختلافا كان بينهم في السرّ ؛ فقائل منهم يقول : هو محقّ ، وقائل يقول : هو مبطل ، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليهالسلام و (النَّجْوى) المسارة ، أي : كل واحد يناجي من يليه سرّا ؛ مخافة من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف.
__________________
(١) في ج : محذور.