وقال الطبريّ (١) : يريد نفسه ، وموسى ، والأول أذهب مع مخرقة فرعون ، وباقي الآية بيّن ، ثم قال السحرة لفرعون : (لَنْ نُؤْثِرَكَ) أي : لن نفضلك ، ونفضّل السلامة منك على ما رأينا من حجّة الله تعالى ، وآياته ، وعلى الذي فطرنا ، هذا على قول جماعة : أنّ الواو في قوله (وَالَّذِي) : عاطفة.
وقالت فرقة : هي واو القسم ، و (فَطَرَنا) أي : خلقنا ، واخترعنا ، فافعل يا فرعون ما شئت ؛ وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا ، والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ، ولك بالعذاب الأليم.
وهؤلاء السحرة اختلف الناس : هل نفذ فيهم وعيد فرعون ، أم لا؟ والأمر في ذلك محتمل.
وقولهم : (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ردّ لقول فرعون : (أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى).
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى (٧٦) وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (٧٩)
وقوله عزوجل : (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى ...) الآية.
قالت فرقة : هذه الآية بجملتها من كلام السحرة لفرعون على جهة الموعظة له ، والبيان فيما فعلوه.
وقالت فرقة : بل هي من كلام الله عزوجل لنبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم تنبيها على قبح ما فعل فرعون ، وحسن ما فعل السحرة ، وموعظة ، وتحذيرا قد تضمنت القصّة المذكورة مثاله.
وقوله : (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) مختصّ بالكافر ؛ فإنه معذّب عذابا ينتهي به إلى الموت ، ثم لا يجهز عليه فيستريح ، بل يعاد جلده ، ويجدّد عذابه. وأما من يدخل النار من المؤمنين بالمعاصي ، فهم قبل أن تخرجهم الشفاعة في غمرة
__________________
(١) ينظر : «الطبريّ» (٨ / ٤٣٦)