قد قاربوا الموت ، إلا أنّهم لا يجهز عليهم ، ولا يجدد عذابهم ؛ فهذا فرق ما بينهم وبين الكفار ، وفي الحديث الصحيح : «أنّهم يماتون فيها إماتة» ، وهذا هو معناها ؛ لأنه لا موت في الآخرة : و (تَزَكَّى) معناه : أطاع الله ، وأخذ بأزكى الأمور.
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى) هذا استئناف إخبار عن شيء من أمر موسى ، وباقي الآية بيّن ، وقد تقدم ذكر ما يخصها من القصص.
وقوله تعالى : (لا تَخافُ دَرَكاً) أي : من فرعون ، وجنوده ، (وَلا تَخْشى) غرقا من البحر.
وقوله : (ما غَشِيَهُمْ) إبهام أهول من النصّ ؛ وهذا كقوله : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى). [النجم : ١٦].
(وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) يريد : من أول أمره إلى هذه النهاية ، (وَما هَدى) مقابل لقوله : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) [غافر : ٢٩].
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٨٢)
وقوله عزوجل : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ ...) الآية ، ظاهر هذه الآية : أنّ هذا القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول النّعم التي عددها الله عليهم ، ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصرو النبي صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى : هذا فعلنا بأسلافكم ؛ وتكون الآية على هذا اعتراضا في أثناء قصة موسى ، والقصد به توبيخ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله تعالى ، والمعنى الأول أظهر وأبين.
وقوله سبحانه : (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ ...) الآية ، وقصص هذه الآية : أن الله تعالى لما أنجى بني إسرائيل ، وغرّق فرعون ، وعد بني إسرائيل أن يسيروا إلى جانب طور سيناء ؛ ليكلم فيه موسى ، ويناجيه بما فيه صلاحهم ، فلما أخذوا في السير ، تعجل موسى عليهالسلام ؛ ابتغاء مرضاة ربّه ، حسبما يأتي بعد.
وقرأ جمهور الناس (١) : «فيحلّ» بكسر الحاء ، «ويحلل» بكسر اللام.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٦) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٤٦) ، و «الدر المصون» (٥ / ٤٥) ، و «السبعة» (٤٢٢) ، و «الحجة» (٥ / ٢٤٢) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٨) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٥٦) ، و «شرح ـ