وقرأ الكسائيّ وحده بضمهما ، ومعنى الأول : فيجب ، ويحقّ ، ومعنى الثاني : فيقع وينزل ، و (هَوى) معناه : سقط أي : هوى في جهنّم ، وفي سخط الله ـ عافانا الله من ذلك ـ ، ثم رجّى سبحانه عباده بقوله : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ...) الآية ، والتوبة من ذنب تصحّ مع الإقامة على غيره ، وهي توبة مقيدة ، وإذا تاب العبد ، ثم عاود الذنب بعينه بعد مدّة ؛ فيحتمل عند حذّاق أهل السنة : ألّا يعيد الله تعالى عليه الذنب الأول ؛ لأن التوبة قد كانت محته ، ويحتمل : أن يعيده لأنها توبة لم يوف بها ، واضطرب الناس في قوله سبحانه : (ثُمَّ اهْتَدى) من حيث وجدوا الهدى ضمن الإيمان والعمل ؛ فقالت فرقة : ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه.
وقيل : غير هذا ، والذي يقوي في معنى : (ثُمَّ اهْتَدى) أن يكون : ثم حفظ معتقداته من أن تخالف الحق في شيء من الأشياء ؛ فإن الاهتداء على هذا الوجه غير الإيمان ، وغير العمل ؛ وربّ مؤمن عمل صالحا قد أوبقه عدم الاهتداء ؛ كالقدرية والمرجئة ، وسائر أهل البدع ، فمعنى : (ثُمَّ اهْتَدى) : ثم مشى في عقائد الشرع على طريق قويم ـ جعلنا الله منهم بمنه ـ وفي حفظ المعتقدات ينحصر معظم أمر الشرع.
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (٨٦) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠) قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١) قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦) قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٩٨).
__________________
ـ الطيبة» (٥ / ٤٨) ، و «العنوان» (١٣٠) ، و «حجة القراءات» (٤٦٠) ، و «شرح شعلة» (٤٩٥) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٥٣)