وقوله سبحانه : / (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) الآية ، وقصص هذه الآية : أن موسى عليهالسلام لمّا شرع في النهوض ببني إسرائيل إلى جانب الطور ؛ حيث كان الموعد أن يكلم الله موسى بما لهم فيه شرف العاجل والآجل ـ رأى موسى عليهالسلام على جهة الاجتهاد أن يتقدم وحده مبادرا لأمر الله سبحانه ؛ طلبا لرضائه ، وحرصا على القرب منه ، وشوقا إلى مناجاته ، واستخلف عليهم هارون ، وقال لهم موسى : تسيرون إلى جانب الطور ، فلما انتهى موسى صلىاللهعليهوسلم وناجى ربّه ، زاده الله في الأجل عشرا ، وحينئذ وقفه على معنى استعجاله دون القوم ؛ ليخبره موسى أنهم على الأثر ، فيقع الإعلام له بما صنعوا ، وأعلمه موسى أنه إنما استعجل طلب الرضى ، فأعلمه الله سبحانه : أنه قد فتن بني إسرائيل ، أي : اختبرهم بما صنع السامريّ ، ويحتمل أن يريد : ألقيناهم في فتنة ، فلما أخبر الله تعالى موسى بما وقع ، رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ، وباقي الآية بيّن ، وقد تقدّم قصصها مستوفى ؛ وسمّى العذاب غضبا من حيث هو عن الغضب.
وقرأ نافع (١) ، وعاصم : «بملكنا» بفتح الميم ، وقرأ حمزة ، والكسائيّ : «بملكنا» بضمة ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «بملكنا» بكسرة ؛ فأما فتح الميم ، فهو مصدر من ملك ، والمعنى : ما فعلنا ذلك بأنا ملكنا الصواب ، ولا وفّقنا له ، بل غلبتنا أنفسنا.
وأما كسر الميم ، فقد كثر استعماله فيما تحوزه اليد ، ولكنه يستعمل في الأمور الّتي يبرمها الإنسان ، ومعناها كمعنى التي قبلها ، والمصدر مضاف في الوجهين إلى الفاعل.
وقولهم : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً ...) الآية ؛ سموها أوزارا من حيث هي ثقيلة الأجرام ، أو من حيث تأثّموا في قذفها ، وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : «حملنا» بفتح (٢) الحاء ، والميم.
وقولهم : (فَكَذلِكَ) أي : فكما قذفنا نحن ، فكذلك أيضا ألقى السامري.
قال ع (٣) : وهذه الألفاظ تقتضي أنّ العجل لم يصغه السامريّ ، ثم أخبر (٤) تعالى
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٤٢٢ ، ٤٢٣) ، و «الحجة» (٥ / ٢٤٤) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٩) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٥٦) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ٤٩) ، و «العنوان» (١٣٠) ، و «شرح شعلة» (٤٩٦) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٥٤)
(٢) ينظر : «السبعة» (٤٢٣) ، و «الحجة» (٥ / ٢٤٦) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٥٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ١٥٧) ، و «شرح شعلة» (٤٩) ، و «العنوان» (١٣٠) ، و «شرح شعلة» (٤٩٦) ، و «إتحاف» (٢ / ٢٥٥)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٥٩)
(٤) في ج : أخبر الله.