ت : أيّها الأخ أشعر قلبك مهابة ربّك ، فإليه مآلك ؛ وتأهب للقدوم عليه ؛ فقد آن ارتحالك ؛ أنت في سكرة لذّاتك ؛ وغشية شهواتك ؛ وإغماء غفلاتك ؛ ومقراض / الفناء يعمل في ثوب حياتك ؛ ويفصل أجزاء عمرك جزءا جزءا في سائر ساعاتك ؛ كل نفس من أنفاسك جزء منفصل من جملة ذاتك وبذهاب الأجزاء تذهب الجمل ، أنت جملة تؤخذ ، آحادها وأبعاضها ، إلى أن تستوفي سائرها عساكر الأقضية ، والأقدار محدقة بأسوار الأعمار ؛ تهدمها بمعاول الليل والنهار ؛ فلو أضاء لنا مصباح الاعتبار ؛ لم يبق لنا في جميع أوقاتنا سكون ولا قرار. انتهى من «الكلم الفارقية والحكم الحقيقة».
(ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٣) قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٥)
وقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) وما بعده مختص بالكفّار ، والذكر : القرآن ، ومعناه محدث نزوله ، لا هو في نفسه.
وقوله : (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) جملة في موضع الحال ، أي : استماعهم في حال لعب ؛ فهو غير نافع ، ولا واصل إلى النفس.
وقوله (لاهِيَةً) حال بعد حال ، واختلف النحاة في إعراب قوله : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) فمذهب سيبويه (١) (رحمهالله تعالى) : أن الضمير في (أَسَرُّوا) : فاعل ، وأن (الَّذِينَ) بدل منه ، وقال : ليس في القرآن لغة من قال : أكلوني البراغيث (٢) ، ومعنى : (أَسَرُّوا النَّجْوَى) تكلّموا بينهم في السرّ ، ومناجات بعضهم لبعض.
__________________
(١) ينظر «الكتاب» (٢ / ٤١)
(٢) الواو علامة جمع الفاعل ، كما يلحق الفعل تاء التأنيث ليدلّ على تأنيث الفاعل ، ك «قامت هند» ، وهذه اللغة جارية في المثنى وجمع الإناث أيضا فيقال : قاما أخواك ، وقمن أخواتك» كقوله :
.......... |
|
وقد أسلماه مبعد وحميم |
وقوله :
ولكن ديافيّ أبوه وأمّه |
|
بحوران يعصرن السليط أقاربه |
واستدلّ بعضهم بقوله عليهالسلام : «يتعاقبون فيكم ملائكة» ، ويعبّر النحاة عن هذه اللغة بلغة «أكلوني البراغيث» ، ولكنّ الأفصح ألّا تلحق الفعل علامة ، وفرّق النحويون بين لحاقه علامة التأنيث وعلامة التثنية والجمع بأنّ علامة التأنيث ألزم ؛ لأن التأنيث في ذات الفاعل بخلاف التثنية والجمع فإنه غير لازم. ينظر : «الدر المصون» (٢ / ٥٨٠ ـ ٥٨١)