أن نهاهم عن أكل الأموال بالباطل ، وقتل النفس ، وذلك من أفعال الجوارح ليطهّر ظاهرهم.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية وجوها أشهرها ما روي عن مجاهد أنّ أم سلمة قالت : يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ، ولهم من الميراث ضعفنا ، فليتنا كنا رجالا فنزلت الآية (١).
روي عن ابن عباس في معنى الآية : لا يقل أحدكم ليت ما أعطي فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء كان عندي ، فإنّ ذلك يكون حسدا ، ولكن ليقل : اللهم أعطني مثله.
وعلى هذا التأويل تكون الآية على ظاهرها ، ويكون معناها ، ولا تتمنوا ما ميّز الله به بعضكم من المال والجاه ، وكل ما يجري فيه التنافس ، فإنّ هذا التفضيل قسمة صادرة من حكيم خبير (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الزخرف : ٣٢] وعلى من كان حظه من الدنيا قليلا أن يرضى بما قسم الله له ، ولا يحسد غيره ، لأنّ الحسد أشبه شيء بالاعتراض على من أتقن كل شيء وأحكمه.
وقدّر بعضهم في الكلام مضافا ينساق إليه الذهن ، ويقتضيه المقام فقال : المعنى ولا تتمنوا مثل ما فضل الله به بعضكم على بعض ، لأنّ المقام ليس مقام طلب زوال النعمة عن الغير ، بل إنما هو طلب نعمة خاصّة أن تكون له ، وأما أن تزول عن غيره أو لا تزول فليس من القصد في شيء.
وعلى هذا التأويل يكون تمني مثل ما للغير منهيا عنه ، لأنه قد يكون ذريعة إلى الحسد ، ولأنّ تلك النعمة التي تمناها بخصوصها ربما كانت مفسدة له في دينه ، ومضرة عليه في دنياه ، فلا يجوز أن يقول : اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ، ولا ولدا مثل ولده ، بل ينبغي أن يقول : اللهم أعطني ما يكون صلاحا لي في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي ، ولا يتعرّض لمن فضل عليه.
ويؤيد تأويل ابن عباس في الآية ما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يتمنّ أحد مال أخيه ، ولكن ليقل اللهم ارزقني ، اللهم أعطني مثله».
وقوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) تعليل للنهي السابق ، أي لكل من فريقي الرجال والنساء حظّ مقدّر في الأزل من نعيم الدنيا في التجارات والزراعات ، وغير ذلك من المكاسب ، فلا يتمنّ أحد خلاف ما قسم له.
وقوله تعالى : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ). حذف منه مفعوله لإفادة العموم ، أي :
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٥ / ٢٢١) ، كتاب التفسير حديث رقم (٣٠٢٢).