النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت ، والجمهور على أنها نزلت في غزوة المريسيع حين عرّس (١) النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة ، فسقطت عن عائشة قلادة كانت لأسماء ، فبعث رجلين في طلبها ، فنزلوا ينتظرونهما ، فأصبحوا وليس معهم ماء ، فأغلظ أبو بكر على عائشة وقال : حبست رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين على غير ماء فنزلت (٢).
فلما صلوا بالتيمم جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة ، فجعل يقول : ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر ، وفي رواية : يرحمك الله يا عائشة ، ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله فيه للمسلمين فرجا ، وهذا يدلّ على أن سبب النزول كان في فقد الماء في السفر.
والسكر المذكور في الآية هو السكر من الشراب ، بدليل ما ورد في سبب النزول ، وبدهي أن النهي موجه إلى جماعة المؤمنين أن يقربوا الصلاة ، وهم على هذا الحال ، فإنها قد تجرهم إلى ما يضرهم في دينهم من حيث لا يشعرون ، ولقد أثّر فيهم النهي أثره ، فكانوا يمتنعون من الشراب إلى ما بعد صلاة العشاء ، ولا معنى لا دعاء نسخ الآية ، إذ المؤمنون ما زالوا منهيين أن يقربوا الصلاة وهم سكارى. ولم تؤثر آية المائدة في هذا النهي شيئا حتى يقال : إنها نسخته.
وقد اختلف العلماء في معنى الصلاة في قوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فذهب جماعة إلى أن المراد منها موضعها وهو المسجد ، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ، وإليه ذهب الشافعي رضي الله عنه ، والكلام إذا على حذف مضاف ، وهو مجاز شائع ، وقد عهد استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى في القرآن ، كما في قوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ) [الحج : ٤٠] فقد فسرها ابن عباس بأنها كنائس اليهود.
ويؤيد حمل الصلاة على هذا المعنى أن الله تعالى يقول : (لا تَقْرَبُوا) والقرب والبعد أولى به أن يكون في المحسات ، فحملناه على المسجد ، ولأنّا لو حملناه على الصلاة لم يصح الاستثناء في قوله : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) حتى لو حملنا عابر السبيل على المسافر ، لأنّ هذا الحكم حينئذ ليس خاصا بالمسافر ، لأنّ كل من عجز عن استعمال الماء ، سواء لفقده ، أو عدم القدرة على استعماله كذلك ، وأيضا فإنّ ظاهر النهي يدلّ على أنّ عابر السبيل ليس له أن يقرب الصلاة جنبا إلا بعد اغتسال ، وهو إذا لم يجد الماء يقرب الصلاة كغيره بالتيمم.
وأيضا فقد ذكر الله في الآية حكم المسافر في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ)
__________________
(١) التعريس : النزول آخر الليل ، انظر لسان العرب (٦ / ١٣٦).
(٢) رواه ابن جرير في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥ / ٦٨ ـ ٦٩).