ويليه أن تكون (أَوْ) في قوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) بمعنى الواو ، والمعنى عليه قد عرفته.
ولنرجع إلى تفسير مفردات الآية :
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى) تفصيل لما أجمل في قوله تعالى : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) فإن المعنى أنه لا يحل لكم القرب من الصلاة وأنتم جنب إلا بأن تكونوا عابري سبيل ، وإلا أن تغتسلوا ، ولما كان الغسل قد لا يمكن ، شرع في بيان الطهارة الواجبة حينئذ ، والأعذار التي تبيحها.
وفسر بعضهم قوله تعالى : (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) بمعنى إلا معذورين بعذر شرعي ، وقد تقدم أن المراد بالمرض ما يمنع من استعمال الماء مطلقا ، سواء كان لتعذر الوصول إليه أم لتعذر استعماله.
وقد أخرج ابن جريج عن ابن مسعود أنه قال : المريض الذي رخص له في التيمم الكسير والجريح ، فإذا أصابته الجنابة لا يحل جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها.
(أَوْ عَلى سَفَرٍ) أو مسافرين ، والسفر الطويل هنا كالقصير ، فإنّك عرفت أن ذكر السفر هنا لا دلالة له على شيء ، إذ المدار على فقد الماء ، وإنما ذكر لأن فقد الماء معه غالب.
وبذكر المسافر هنا يستدلّ من ذهب إلى أنّ المراد بالصلاة المسجد ، وقد تقدم ، وهو ظاهر ، ومن ذهب إلى أن المراد الصلاة بحقيقتها الشرعية يقول : إنه إنما ذكر هنا مع فهمه مما تقدم لبناء الحكم الشرعي عليه ، وبيان أن المريض مثله ومساو له في ذلك.
(أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الغائط هو المكان المطمئن من الأرض ، والمجيء منه كناية عن الحدث ، لأنّ العادة كانت أنّ من يريد قضاء الحاجة يذهب إليه ليواري شخصه عن أعين الناس.
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) اختلف السلف رضوان الله عليهم أجمعين في المراد من الملامسة هنا ، فقال علي وابن عباس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي : هي كناية عن الجماع ، وكانوا لا يوجبون الوضوء ولا التيمم لمن مس امرأة.
وقال عمر وابن مسعود : المراد من الملامسة المسّ باليد ، وكانا يوجبان على من مس امرأة الوضوء.
وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك أيضا فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والثوري والأوزاعي : لا وضوء على من مسّ امرأة ، سواء أكان المس بشهوة ، أو بغير شهوة.
وقال مالك : إن مسها بشهوة تلذّذا فعليه الوضوء ، وكذا إن مسته بشهوة تلذذا.