وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال : «لا تقصر إلا في حج أو جهاد».
وعن عطاء قال : لا أرى أن يقصر الصلاة إلا من كان في سبيل الله.
لكن هذا مخالف لظاهر الآية ، ولا تمسك لهم بما روي أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لم يقصر إلا في حج أو جهاد ، فإنما ذلك لأنّه لم يسافر إلا في حج أو جهاد.
وقد تمسك داود الظاهري بهذا الظاهر ، وقال : إن قليل السفر وكثيره سواء في جواز القصر ، فالمدار في تحقيق القصر عندهم على تحقق شرطه ، وهو الضرب في الأرض.
وأما الجمهور فقد قالوا : إنّ الضرب في الأرض حقيقته الانتقال من مكان إلى مكان. وظاهر أنّ مجرد الانتقال من مكان إلى مكان لا يكون سببا في الرخصة ، فلا بدّ أن يكون الضرب المرخّص ضربا مخصوصا ، ولما كان ذلك لا يعرف إلا ببيان السنة لمقدار الانتقال المرخّص ، ولم يرد في بيان السنة ترخيص في القصر في أقل من سفر يوم ، وذلك أنه حصل في المسألة روايات :
١ ـ روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : يقصر في يوم تامّ ، وبه قال الزهري والأوزاعي.
٢ ـ قال ابن عباس : إذا زاد على يوم وليلة قصر.
٣ ـ قال أنس بن مالك : المعتبر خمسة فراسخ.
٤ ـ قال الحسن : مسيرة ليلتين.
٥ ـ قال الشعبيّ والنخعيّ وسعيد بن جبير : من الكوفة إلى المدائن ، وهي مسيرة ثلاثة أيام ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وعنهم : يومان وأكثر الثالث.
٦ ـ قال مالك والشافعي : أربعة برد ، كل بريد أربعة فراسخ.
فهذه الأقوال على ما بينها من الاختلاف تدلّ على إجماعهم على أنّ السفر المرخّص مقدّر بقدر مخصوص هو الذي فيه الاختلاف.
وقد عول الحنفية في مذهبهم على قوله عليه الصلاة والسلام : «يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام (١) ، وعلى ما ورد في منع المرأة من السفر فوق ثلاث إلا مع زوج أو محرم» فدلّ هذا على أنّ ما دون الثلاث ليس سفرا ، بل هو في حكم الإقامة ، حيث جعل الثلاث فاصلا بين الخروج دون محرم وعدمه.
وأما الشافعية فإنهم عوّلوا في مذهبهم على ما روي عن مجاهد وعطاء عن ابن
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٢٣٢) ، ٢ ـ كتاب الطهارة ، ٢٤ ـ باب التوقيت في المسح حديث رقم (٨٥ / ٢٧٦).