وإما ألا يكون له محل ، ويكون جملة مبينة لأن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم ، كقولك : عندك زيد ينصحك ويشير عليك بالصواب ، فما تصنع بغيره.
وأنّثت التوراة لما فيها من صورة تاء التأنيث.
(ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ) عطف على (يُحَكِّمُونَكَ) و (ثم) لتراخي الرتبة ، أي ثم يعرضون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم.
(وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) إخبار بأنهم لا يؤمنون أبدا ، أو المراد أنهم غير مؤمنين بكتابهم كما يدعون اه.
قال الله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤))
نبه الله بهذه الآية اليهود الذين أنكروا ما تضمن كتابهم من مثل وجوب رجم الزاني والاقتصاص من القاتل المعتدي ، ووبخهم على مخالفة الأحبار المتقدمين ، والأنبياء المبعوثين إليهم.
والمراد (بالهدى) بيان الأحكام والتكاليف ، والمراد (بالنور) بيان ما ينبغي أن يعتقد من توحيد الله وأمور النبوة والمعاد.
و (النَّبِيُّونَ) من بعثهم الله في بني إسرائيل من بعد موسى لإقامة التوراة ، ومعنى إسلامهم انقيادهم لحكم التوراة ، وعن قتادة : يحتمل أن يكون المراد بالنبيين الذين أسلموا محمدا عليه الصلاة والسلام ، فقد حكم على من زنى من اليهود بالرجم ، وكان هذا حكم التوراة ، وذكر بلفظ الجمع تعظيما ، ونظيره قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النحل : ١٢٠].
وقال ابن الأنباري : هذا رد على اليهود والنصارى ، وتقرير أنّ الأنبياء ما كانوا موصوفين باليهودية ولا بالنصرانية كما زعموا ، بل كانوا مسلمين لله منقادين لتكاليفه.
و (لِلَّذِينَ هادُوا) أي تابوا من الكفر متصل ب (يحكم) يعني أن النبيين إنما يحكمون بالتوراة للذين هادوا ، أي لأجلهم ، وفيما بينهم ، أو هو مؤخّر من تقديم ، فيكون التقدير : فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا.
(وَالرَّبَّانِيُّونَ) العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس ، وتدبير أمورهم ، والقيام بمصالحهم.
(وَالْأَحْبارُ) جمع حبر ، بكسر الحاء أو فتحها ، والمراد العلماء المتقنون الصالحون.