مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) إلى قوله : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) فلا تعرض في شيء من ذلك لحكم أهل الكتاب البتة.
واحتجوا بقوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) [آل عمران : ٧٥] فأخبر أنّ منهم الأمين على مثل هذا القدر من المال ، فكونه أمينا على قرابته وأهل ملته أولى ، وبقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [الأنفال : ٧٣] فأثبت لهم الولاية بعضهم على بعض. وهي أعلى رتبة من الشهادة وغاية الشهادة أن تشبّه بها ، فإذا كان له أن يزوّج ابنته وأخته ، ويلي مال ولده : فقبول شهادته عليه أولى وأحرى.
واحتجوا أيضا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم برجل منهم وامرأة زنيا فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ائتوني بأربعة منكم يشهدون» وبما ثبت في «الصحيح» (١) : مرّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيهودي وقد حمم فقال : «ما شأن هذا»؟ فقالوا : زنى ، فقال : «ما تجدون في كتابكم» إلخ.
فأقام الحد بقولهم ، ولم يسأل اليهودي واليهودية ، ولا طلب اعترافهما ، وهذا هو الفقه. فإنّ أهل الذمة يتعاملون فيما بينهم بالبيع والإجارة والمداينة ، وتقع بينهم الجنايات ، ويتعدّى بعضهم على بعض ، ولا يكون لهم شهداء إلا من أنفسهم ، ويتخاصمون إلى قضاء المسلمين ، فإذا لم يحكموا بينهم بشهودهم المرضيين عندهم ضاعت حقوقهم ، وأدّى ذلك إلى الظلم والفساد ، فالحاجة ماسّة إلى قبول شهادة بعضهم على بعض ، وقد يكون بينهم الصادق الذي يتحرّى الصدق في أخباره ، فيطمئن القاضي إلى قبول قوله.
وإذا كان القصد من الشهادة الحكم بينهم بالعدل ، ورفع التظالم ، وإيصال كل ذي حق منهم إلى حقه : فكل شهادة منهم أوقعت في نفس القاضي ظنّا بصدقها وجب العمل بها للعدل والحق.
ب ـ إنّ هذه الآية تجيز شهادة المدعين لأنفسهم واستحقاقهم بمجرد أيمانهم ، وهذا يخالف ما علم من الشريعة من أنّ «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر» (٢) وما علم من الشريعة هو محض العدل ، لأنه «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم وأموالهم» (٣) أما جواب الجمهور عن هذا فمعروف وهو أن هذه الآية منسوخ حكمها.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٣٢٧) ، ٢٩ ـ كتاب الحدود ، ٦ ـ باب رجم اليهود حديث رقم (٢٨ / ١٧٠٠).
(٢ و ٣) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٣٣٦) ، ٣٠ ـ كتاب الأقضية ، باب اليمين على المدعى عليه حديث رقم (١ / ١٧١١).