مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١))
الحرج : الضيق. ومنه الحرجة للشجر الملتف بعضه ببعض ، لضيق المسالك فيه ، والمراد بالحرج هنا الإثم.
والمفاتح : جمع مفتح أو مفتاح ، وملك المفتاح كناية عن كون الشيء تحت يد الشخص وتصرفه ، كأن يكون وكيلا عن رب المال ، أو قيمه في ضيعته وماشيته.
والصديق : من يصدق في مودتك وتصدق في مودته ، يقع على الواحد وعلى الجمع ، والمراد به هنا الجمع.
والأشتات : جمع شتّ ، صفة مشبهة على فعل كحق. يقال أمر شتّ أي متفرق.
وأصل معنى التحية طلب الحياة ، كأن يقول : حيّاك الله ، ثم توسّع فيه ، فاستعمل في كل دعاء ، وتحية الإسلام : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(مُبارَكَةً) بورك فيها بالأجر.
(طَيِّبَةً) تطيب بها نفس السامع.
اختلف الرواة في سبب نزول هذه الآية اختلافا كثيرا ، نشأ عنه اختلاف أهل التأويل في معنى الآية ، وأوجه اتصال جملها بعضها ببعض ، فذكروا في ذلك أقوالا كثيرة ، نذكر لك منها أقربها للصواب ، وأولاها بالاعتبار :
فمنها : ما اختاره ابن جرير (١) وهو أنّ المراد نفي الحرج عن العمي والعرج والمرضى وجميع الناس في أن يأكلوا من بيوت الذين ذكر الله ، فيكون الله قد نفى الحرج عن أهل العذر أولا ، ثم نفى الحرج عن المخاطبين ، ثم جمع المخاطبين مع أهل العذر في الخطاب بقوله : (أَنْ تَأْكُلُوا) وكذلك تفعل العرب إذا جمعت بين خبر الغائب والمخاطب غلّبت المخاطب فقالت : أنت وأخوك قمتما ، وأنت وزيد جلستما ، ولا تقول : أنت وأخوك جلسا.
أخرج ابن جرير (٢) عن معمر قال : قلت للزهري في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) : ما بال الأعمى ذكر هاهنا والأعرج والمريض؟ فقال : أخبرني عبيد الله أنّ المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا زمناهم ، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون :
__________________
(١) في تفسيره جامع البيان ، المشهور بتفسير الطبري (١٨ / ١٣٠).
(٢) المرجع نفسه (١٨ / ١٢٩).