آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧))
(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا وكلها حسن فالأحسن بمعنى الحسن فيثيبهم عليها ويتجاوز عن سيئاتهم فلا يؤاخذهم بها (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) أي مع أصحاب الجنة (وَعْدَ الصِّدْقِ) يعني الذي وعدهم بأن يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ووعده صدق وقيل : وعدهم بأن يدخلهم الجنة (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) يعني في الدنيا على لسان الرسول صلىاللهعليهوسلم. قوله تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) يعني إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث بعد الموت (أُفٍّ لَكُما) وهي كلمة كراهية (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) يعني من قبري حيا (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) يعني فلم يبعث منهم أحد (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يعني يستصرخان بالله عليه ويقولان له (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) يعني بالبعث (فَيَقُولُ ما هذا) يعني الذي تدعونني إليه (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) قال ابن عباس نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر الصديق قبل إسلامه وكان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ويقول أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون. وأنكرت عائشة أن يكون قد نزل هذا في عبد الرّحمن بن أبي بكر (خ). عن يوسف بن ماهك قال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له ، فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكر شيئا ، فقال : خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال له مروان : هذا الذي أنزل الله فيه والذي قال لوالديه أف لكما فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا ما أنزل الله في سورة النور من براءتي والقول الصحيح أنه ليس المراد من الآية شخص معين بل المراد كل شخص كان موصوفا بهذه الصفة وهو كل من دعاه أبواه إلى الدين الصحيح والإيمان بالبعث فأبى وأنكر. وقيل نزلت في كل كافر عاقّ لوالديه قال الزجاج : قول من قال إنها نزلت في عبد الرّحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))
(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أعلم الله أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب وعبد الرّحمن مؤمن من أفاضل المؤمنين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب أي وجب عليهم العذاب (فِي أُمَمٍ) أي مع أمم (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) قال ابن عباس : يريد من سبق إلى الإسلام فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو ساعة وقيل لكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين والبار والعاق درجات يعني منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم فيجازيهم عليها قيل درجات الجنة تذهب إلى علو ودرجات النار تذهب إلى أسفل (وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ) يعني جزاء أعمالهم (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) قوله عزوجل : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يعني يجاء بهم فيكشف لهم عنها ويقال لهم (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) يعني أن كل ما قدر لكم من الطيبات واللذات فقد أفنيتموه في الدنيا وتمتعتم به فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم منها شيء (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي الذي فيه ذل وخزي (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) علق هذا العذاب بأمرين ، أحدهما : الاستكبار وهو الترفع ، ويحتمل أن يكون عن الإيمان ، والثاني : الفسق وهو المعاصي ، والأول من عمل القلوب ، والثاني من عمل الجوارح.