فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) قال ابن عباس : يعني بعدا لهم. وقال أبو العالية : سقوطا لهم وقال الضحاك : خيبة لهم. وقال ابن زيد : شقاء لهم. وقيل : التعس في الدنيا العثرة وفي الآخرة التردي في النار. يقال للعاثر : تعسا إذا دعوا عليه ولم يريدوا قيامه وضده لعا إذا دعوا له وأرادوا قيامه وفي هذا إشارة جليلة وهي أنه تعالى لما قال في حق المؤمنين (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، يعني في الحرب والقتال ، كان من الجائز أن يتوهم متوهم أن الكافر أيضا يصبر ويثبت قدمه في الحرب والقتال فأخبر الله تعالى أن لكم الثبات أيها المؤمنون ولهم العثار والزوال والهلاك وقال في حق المؤمنين بصيغة الوعد لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء وقال في حق الكفار بصيغة الدعاء عليهم (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) يعني أبطل أعمالهم لأنها كانت في طاعة الشيطان (ذلِكَ) يعني التعس والإضلال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) يعني القرآن الذي فيه النور والهدى وإنما كرهوه لأن فيه الأحكام والتكاليف الشاقة على النفس لأنهم كانوا قد ألفوا الإهمال وإطلاق العنان في الشهوات والملاذ فشق عليهم ذلك والأخذ بالجد والاجتهاد في طاعة الله فلهذا السبب كرهوا ما أنزل الله (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) يعني فأبطل أعمالهم التي عملوها في غير طاعة الله ولأن الشرك محبط للعمل.
ثم خوف الكفار فقال تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني من الأمم الماضية والقرون الخالية الكافرة (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يقال : دمره الله. يعني أهلكه ، ودمر عليه إذا أهلك ما يختص به والمعنى أهلك الله عليهم ما يختص بهم من أنفسهم وأموالهم وأولادهم (وَلِلْكافِرِينَ) يعني بمحمد صلىاللهعليهوسلم (أَمْثالُها) يعني إن لم يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبما جاءهم به من عند الله وهذا التضعيف إنما يكون في الآخرة (ذلِكَ) يعني الإهلاك والهوان (بِأَنَ) أي بسبب أن (اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يعني هو ناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) يعني لا ناصر لهم وسبب ذلك أن الكفار لما عبدوا الأصنام وهي جماد لا تضر ولا تنفع ولا تنصر من عبدها فلا جرم ولا ناصر لهم والفرق بين قوله : «وأن الكافرين لا مولى لهم وبين قوله (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ) الحق أن المولى هنا بمعنى الناصر والمولى هناك بمعنى الرب والمالك والله تعالى رب كل أحد من الناس ومالكهم فبان الفرق بين الآيتين ولما ذكر الله تعالى حال المؤمنين والكافرين في الدنيا ذكر حالهم في الآخرة فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يعني هذا لهم في الآخرة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) يعني في الدنيا بشهواتها ولذاتها (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) يعني ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم وهم مع ذلك لاهون ساهون عما يراد بهم في غد ولهذا شبههم بالأنعام لأن الأنعام لا عقل لها ولا تمييز وكذلك الكافر لا عقل له ولا تمييز لأنه لو كان له عقل ما عبد ما يضره ولا ينفعه. قيل : المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع وإنما وصف الكافر بالتمتع في الدنيا لأنها جنته وهي سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد الله له في الآخرة من النعيم العظيم الدائم (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) يعني مقام الكفار في الآخرة. والثواء : المقام في المكان مع الاستقرار فيه ، فالنار مثوى الكافرين ومستقرهم.
قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) يعني أخرجك أهلها. والمراد بالقرية : مكة. قال ابن عباس : كم من رجال هي أشد قوة من أهل مكة أهلكهم الله يدل عليه قوله (أَهْلَكْناهُمْ)