فقال تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ) يعني لوطا وابنتيه (نَجَّيْناهُمْ) يعني من العذاب (بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي جعلناه نعمة منا عليهم حيث نجيناهم (كَذلِكَ نَجْزِي) أي كما أنعمنا على آل لوط كذلك نجزي (مَنْ شَكَرَ) يعني أن من وحد الله لم يعذبه مع المشركين (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) أي لوط (بَطْشَتَنا) يعني أخذنا إياهم بالعقوبة (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي شكوا بالإنذار ولم يصدقوا وكذبوا (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي طلبوا منه أن يسلم إليهم أضيافه (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط عالجوا الباب ليدخلوا عليهم فقالت الرسل للوط خل بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه فتركهم عميا بإذن الله يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب وأخرجهم لوط عميا لا يبصرون.
ومعنى : فطمسنا أعينهم ، يعني صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق. وقيل : طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا لقد رأيناهم حين دخلوا فأين ذهبوا؟ فلم يروهم (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) يعني ما أنذركم به لوط من العذاب (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً) أي جاءهم وقت الصبح (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) يعني دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) يعني موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام. وقيل : النذر ، الآيات التي أنذرهم بها موسى (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) يعني الآيات التسع (فَأَخَذْناهُمْ) يعني بالعذاب (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) يعني غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه عما أراد ثم خوف كفار مكة فقال تعالى :
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨))
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) يعني أقوى وأشد من الذين أحللت بهم نقمتي مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون وهذا استفهام إنكار ، أي ، ليسوا بأقوى منهم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ) يعني من العذاب (فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية (أَمْ يَقُولُونَ) يعني كفار مكة (نَحْنُ جَمِيعٌ) يعني أمرنا (مُنْتَصِرٌ) يعني من أعدائنا والمعنى : نحن يد واحدة على من خالفنا منصرون ممن عادانا. ولم يقل منصرون لموافقة رؤوس الآي. وقيل : معناه نحن كل واحد منا منتصر كما يقال : كلهم عالم ، يعني : كل واحد منهم عالم. قال الله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) يعني كفار مكة (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) يعني الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي. وقيل في الإفراد ، إشارة إلى أنهم في التولية والهزيمة كنفس واحدة ، فلا يتخلف أحد عن الهزيمة ولا يثبت أحد للزحف فهم في ذلك كرجل واحد (خ).
عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في قبة يوم بدر «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم أبدا فأخذ أبو بكر بيده فقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فخرج وهو في الدرع وهو يقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر» (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر.
وقال سعيد بن المسيب : سمعت عمر بن الخطاب يقول : لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر : كنت لا أدري أي جمع يهزم ، فلما كان يوم بدر ، رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يثب في درعه ويقول : سيهزم الجمع ويولون الدبر فعلمت تأويلها (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) يعني جميعا والساعة أدهى وأمر ، أي أعظم داهية وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر.