يبخلون به ولا ينفقونه في سبيل الله ووجوه الخير ولا يكفيهم أنهم بخلوا به حتى يأمروا الناس بالبخل وقيل إن الآية كلام مستأنف لا تعلق له بما قبله وإنها في صفة اليهود الذين كتموا صفة محمد صلىاللهعليهوسلم وبخلوا ببيان نعته (وَمَنْ يَتَوَلَ) قال ابن عباس عن الإيمان (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) أي عن عباده (الْحَمِيدُ) أي إلى أوليائه.
قوله عزوجل : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلالات والآيات والحجج (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) أي المتضمن للأحكام وشرائع الدين (وَالْمِيزانَ) يعني العدل أي وأمرنا بالعدل وقيل المراد بالميزان هو الآلة التي يوزن بها وهو يرجع إلى العدل أيضا وهو قوله (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي ليتعاملوا بينهم بالعدل ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) قيل إن الله تعالى أنزل مع آدم عليه الصلاة والسلام لما أهبط إلى الأرض السندان والمطرقة والكلبتين وروي عن ابن عمر يرفعه «إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض الحديد والنار والماء والملح» وقيل أنزلنا هنا بمعنى أنشأنا وأحدثنا الحديد وذلك أن الله تعالى أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه وإلهامه ، (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أي قوة شديدة فمنه جنة وهي آلة الدفع ومنه سلاح وهي آلة الضرب (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أي ومنه ما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحو ذلك ، إذ الحديد آلة لكل صنعة فلا غنى لأحد عنه (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) أي وأرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليرى الله (مَنْ يَنْصُرُهُ) أي من ينصر دينه (وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) أي الذين لم يروا الله ولا الآخرة وإنما يحمد ويثاب من أطاع بالغيب وقال ابن عباس ينصرونه ولا يبصرونه (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) في أمره (عَزِيزٌ) في ملكه.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) معناه أنه تعالى شرف نوحا وإبراهيم بالرسالة وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب فلا يوجد نبي إلا من نسلهما (فَمِنْهُمْ) أي من الذرية (مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ ثُمَّ قَفَّيْنا) أي اتبعنا (عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) والمعنى بعثنا رسولا بعد رسول إلى أن انتهت الرسالة إلى عيسى ابن مريم وهو قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) أي على دينه ، (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) يعني أنهم كانوا متوادين بعضهم لبعض ، (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ليس هذا عطفا على ما قبله والمعنى أنهم جاءوا بها من قبل أنفسهم وهي ترهبهم في الجبال والكهوف والغيران والديرة فروا من الفتنة وحملوا أنفسهم المشاق في العبادة الزائدة وترك النكاح واستعمال الخشن في المطعم والمشرب والملبس مع التقلل من ذلك (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) أي ما فرضناها نحن عليهم (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) أي لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) يعني أنهم يرعوا تلك الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وضموا إليها التثليث والاتحاد وكفروا بدين عيسى ودخلوا في دين ملوكهم وأقام أناس منهم على دين عيسى حتى أدركوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به فذلك قوله تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم الذين ثبتوا على الدين الصحيح ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهم الذين تركوا الرهبانية وكفروا بدين عيسى صلىاللهعليهوسلم وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا ابن مسعود «اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث وهلك سائرهن : فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى فأخذوهم وقتلوهم ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا أن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله عزوجل فيهم ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم» قال صلىاللهعليهوسلم «من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها