حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون». وعنه قال كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حمار فقال لي «يا ابن أم عبد هل تدري من أين أخذت بنو إسرائيل الرهبانية؟ قلت الله ورسوله أعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا لهؤلاء فتنونا ولم يبق أحد يدعو إليه تعالى فتعالوا لنتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى به ـ يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم ـ فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا الرهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) إلى (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) أي من الذين ثبتوا عليها أجرهم ثم قال النبي صلىاللهعليهوسلم «يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت الله ورسوله أعلم قال الهجرة والصلاة والجهاد والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع» ، وروي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله» وعن ابن عباس قال «كانت ملوك بعد عيسى عليه الصلاة والسلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم جماعة مؤمنون يقرءون التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا ما تريدون إلى ذلك دعونا نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة منهم ابنوا لنا اسطوانا ثم ارفعونا فيه ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا فلا نرد عليكم وطائفة قالت دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا. وقالت طائفة منهم ابنوا لنا دورا في الفيافي ونحتفر الآبار ونحترث البقول ولا نرد عليكم ولا نمر عليكم وليس أحد من القبائل إلا وله حميم فيهم قال ففعلوا ذلك فمضى أولئك على منهاج عيسى وخلف قوم من بعدهم ممن غيروا الكتاب فجعل الرجل يقول نكون في مكان فلان نتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم فذلك قول الله عزوجل : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) يعني ابتدعها الصالحون فما رعوها حق رعايتها يعني الآخرين الذين جاءوا من بعدهم (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني الذين ابتدعوها (ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهم الذين جاءوا من بعدهم فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يبق منهم إلا القليل انحط رجل من صومعته وجاء سائح من سياحته وصاحب دير من ديره فآمنوا به وصدقوه فقال الله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) أجرين بإيمانهم بعيسى وبالتوراة والإنجيل وبإيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم وتصديقهم له وقال (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) القرآن واتباعهم النبي صلىاللهعليهوسلم وقال (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) الذين يتشبهون بكم (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) الآية أخرجه النسائي موقوفا على ابن عباس وقال قوم انقطع الكلام عند قوله ورحمة ثم قال ورهبانية ابتدعوها وذلك أنهم تركوا الحق فأكلوا الخنزير وشربوا الخمر وتركوا الوضوء والغسل من الجنابة والختان ، «فما رعوها» يعني الملة والطاعة حق رعايتها كناية عن غير مذكور (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم أهل الرأفة والرحمة (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهم الذين غيروا وبدلوا وابتدعوا الرهبانية ويكون معنى قوله : (ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) على هذا التأويل : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ولكن ابتغاء رضوان الله وابتغاء رضوان الله اتباع ما أمر به دون الترهب لأنه لم يأمر به.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) الخطاب لأهل الكتابين من اليهود والنصارى يعني يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في محمد وآمنوا به وهو قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) يعني بمحمد صلىاللهعليهوسلم (يُؤْتِكُمْ