وإن وجده بسهولة استحقره ونفع كثير من الفقراء بتلك الصدقة المقدمة قبل المناجاة قال ابن عباس إن الناس سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأكثروا حتى شق عليه فأراد الله تعالى أن يخفف على نبيه صلىاللهعليهوسلم ويثبطهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على مناجاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يأتون رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكثرون مناجاته ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله صلىاللهعليهوسلم طول جلوسهم ومناجاتهم فلما أمروا بالصدقة كفوا عن مناجاته فأما الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت الرخصة وقال مجاهد نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب تصدق بدينار وناجاه ثم نزلت الرخصة فكان علي يقول آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي آية المناجاة. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي صلىاللهعليهوسلم ما ترى دينارا قلت لا يطيقونه قال فنصف دينار قلت لا يطيقونه قال فكم قلت شعيرة قال إنك لزهيد قال فنزلت.
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦))
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) الآية قال فبي خفف الله عن هذه الأمة أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قوله قلت شعيرة أي وزن شعيرة من ذهب وقوله إنك لزهيد يعني قليل المال قدرت على قدر حالك.
فإن قلت في هذه الآية منقبة عظيمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ لم يعمل بها أحد غيره.
قلت هو كما قلت وليس فيها طعن على غيره من الصحابة ووجه ذلك أن الوقت لم يتسع ليعملوا بهذه الآية ولو اتسع الوقت لم يتخلفوا عن العمل بها وعلى تقدير اتساع الوقت ولم يفعلوا ذلك إنما هو مراعاة لقلوب الفقراء الذين لم يجدوا ما يتصدقون به لو احتاجوا إلى المناجاة فيكون ذلك سببا لحزن الفقراء إذ لم يجدوا ما يتصدقون به عند مناجاته ووجه آخر وهو أن هذه المناجاة لم تكن من المفروضات ولا من الواجبات ولا من الطاعات المندوب إليها بلى إنما كلفوا هذه الصدقة ليتركوا هذه المناجاة ولما كانت هذه المناجاة أولى بأن تترك لم يعملوا بها وليس فيها طعن على أحد منهم ، وقوله : (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله (وَأَطْهَرُ) أي لذنوبكم (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) يعني الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يعني أنه تعالى رفع عنهم ذلك (أَأَشْفَقْتُمْ) قال ابن عباس أبخلتم والمعنى أخفتم العيلة والفاقة إن قدمتم وهو قوله (أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي ما أمرتم به ، (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي تجاوز عنكم ونسخ الصدقة قال مقاتل بن حيان كان ذلك عشر ليال ثم نسخ ، وقال الكلبي ما كان إلا ساعة من نهار ثم نسخ (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أي المفروضة (وَآتُوا الزَّكاةَ) أي الواجبة (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيما أمر ونهى (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي إنه محيط بأعمالكم ونيتكم.
قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) نزلت في المنافقين وذلك أنهم تولوا اليهود ونصحوهم ونقلوا أسرار المؤمنين إليهم فأراد بقوله قوما غضب الله عليهم اليهود (ما هُمْ) يعني المنافقين (مِنْكُمْ) أي من المؤمنين في الدين والولاء (وَلا مِنْهُمْ) يعني ولا من اليهود (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ