يَعْلَمُونَ) أي أنهم كذبة «نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق وكان يجالس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويرفع حديثه إلى اليهود فبينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حجرة من حجره إذ قال يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار ينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق العينين فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل وجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فأنزل الله هذه الآية» (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) يعني الكاذبة (جُنَّةً) أي يستجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعني أنهم صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم بسبب أيمانهم ، وقيل معناه صدوا الناس عن دين الله الذي هو الإسلام (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يعني في الآخرة.
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) يوم القيامة (مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ) يعني كاذبين أنهم ما كانوا مشركين (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) أي في الدنيا وقيل كان الحلف جنة لهم في الدنيا فظنوا أنه ينفع في الآخرة أيضا (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) يعني من أيمانهم الكاذبة (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) يعني في أقوالهم وأيمانهم ، (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) أي غلب واستولى عليهم وملكهم (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) يعني في جملة من يلحقهم الذل في الدنيا والآخرة لأن ذل أحد الخصمين على حسب عز الخصم الثاني.
ولما كانت عزة الله غير متناهية كانت ذلة من ينازعه غير متناهية (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أي قضى ذلك قضاء ثابتا قيل غلبة الرسل على نوعين فمنهم من يؤمر بالحرب فهو غالب بالحرب ومن لم يؤمر بالحرب فهو غالب بالحجة ، (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) أي على نصر رسله وأوليائه (عَزِيزٌ) أي غالب على أعدائه.
قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) أخبر الله تعالى أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكافرين وأن من كان مؤمنا لا يوالي من كفر لأن من أحب أحدا امتنع أن يحب عدوه فإن قلت قد أجمعت الأمة على أنه تجوز مخالفتهم ومعاشرتهم فما هذه المودة المحظورة قلت المودة المحظورة هي مناصحتهم وإرادة الخير لهم دينا ودنيا مع كفرهم ، فأما ما سوى ذلك فلا حظر فيه ثم إنه تعالى بالغ في الذكر عن مودتهم بقوله (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) يعني أن الميل إلى هؤلاء من أعظم أنواع الميل ومع هذا فيجب أن يطرح الميل إلى هؤلاء والمودة لهم بسبب مخالفة الدين قيل نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة وستأتي قصته في سورة الممتحنة وروي عن عبد الله بن مسعود في