قلاك لموافقة رؤوس الآي ، وقيل معناه وما قلى أحدا من أصحابك ومن هو على دينك إلى يوم القيامة. (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) أي الذي أعطاك ربك في الآخرة خير لك وأعظم من الذي أعطاك في الدّنيا ، وروى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدّنيا» (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) قال ابن عباس هي الشفاعة في أمته حتى يرضى (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلىاللهعليهوسلم رفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عزوجل يا جبريل اذهب إلى محمد ، واسأله ما يبكيك ، وهو أعلم فأتى جبريل ، وسأله فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك» (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا» عن عوف بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشّفاعة فاخترت الشّفاعة ، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئا» أخرجه التّرمذي قال حرب بن شريح سمعت جعفر بن محمد بن علي يقول إنكم يا معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) وقيل في معنى الآية ولسوف يعطيك ربك من الثواب فترضى ، وقيل من النّصر والتّمكين وكثرة المؤمنين فترضى وحمل الآية على ظاهرها من خيري الدّنيا والآخرة معا أولى ، وذلك أن الله تعالى أعطاه في الدّنيا النصر الظفر على الأعداء وكثرة الأتباع ، والفتوح في زمنه ، وبعده إلى يوم القيامة وأعلى دينه وإن أمته خير الأمم ، وأعطاه في الآخرة الشّفاعة العامة ، والخاصة ، والمقام المحمود وغير ذلك ، مما أعطاه في الدّنيا والآخرة ثم أخبر عن حاله صغيرا وكبيرا قبل الوحي وذكر نعمه عليه وإحسانه إليه. فقال عزوجل :
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨))
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) أي صغيرا (فَآوى) أي ألم يعلمك الله يتيما من الوجود الذي هو بمعنى العلم ، والمعنى ألم يجدك يتيما صغيرا حين مات أبوك ، ولم يخلف لك مالا ، ولا مأوى فجعل لك مأوى تأوي إليه وضمك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة.
وذلك أن عبد الله مات ورسول الله صلىاللهعليهوسلم حمل فكفله جده عبد المطلب ، فلما مات عبد المطلب ، كفله عمه أبو طالب إلى أن قوي ، واشتد وتزوج خديجة ، وقيل هو من قولهم درة يتيمة ، والمعنى ألم يجدك واحدا في قريش عديم النّظير فآواك إليه وأيدك وشرفك بنبوته واصطفاك برسالته. (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) أي عما أنت عليه اليوم (فَهَدى) أي فهداك إلى توحيده ونبوته ، وقيل وجدك ضالا عن معالم النّبوة وأحكام الشّريعة ، فهداك إليها وقال ابن عباس : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفا من أغنامه ، فرده إلى جده عبد المطلب ، وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة مظلمة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته ، فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل عليهالسلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة ، ورد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك ، وقيل وجدك ضالًّا نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك ، وقيل ووجدك بين أهل الضّلال فعصمك من ذلك وهداك إلى الإيمان وإلى إرشادهم ، وقيل الضلال هنا بمعنى الحيرة وذلك لأنه كان صلىاللهعليهوسلم يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه حتى هداه الله لدينه ، وقال الجنيد : ووجدك متحيرا في بيان ما أنزل الله إليك ، فهداك لبيانه فهذا ما قيل في هذه الآية ولا يلتفت إلى قول من قال إنه صلىاللهعليهوسلم كان قبل النّبوة على ملة قومه ، فهداه الله إلى الإسلام لأن نبينا