صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك الأنبياء قبله منذ ولدوا نشئوا على التّوحيد ، والإيمان قبل النّبوة وبعدها ، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله تعالى وتوحيده ويدل على ذلك أن قريشا لما عابوا النبي صلىاللهعليهوسلم ورموه بكل عيب سوى الشّرك وأمر الجاهلية فإنهم لم يجدوا لهم عليه سبيلا إذ لو كان فيه لما سكتوا عنه ولنقل ذلك فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه وعيروه به. ويؤكد هذا ما روي في قصة بحير الرّاهب حين استحلف النبي صلىاللهعليهوسلم باللّات والعزى ، وذلك حين سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فرأى بحيرا علامة النّبوة فيه وهو صبي فاختبره بذلك فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لا تسألني بهما فو الله ما أبغضت شيئا بغضهما ، ويؤكد هذا شرح صدره صلىاللهعليهوسلم في حال الصغر واستخراج العلقة منه وقول جبريل هذا حظ الشيطان منك وملؤه حكمة وإيمانا وقوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) وقال الزّمخشري : ومن قال كان على أمر قومه أربعين سنة فإن أراد أنه على خلوهم من العلوم السمعية ، فنعم وإن أراد أنه كان على دين قومه ، فمعاذ الله والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النّبوة وبعدها من الكبائر ، والصّغائر الشّائنة ، فما بال الكفر والجهل بالصّانع (ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ) والله أعلم.
قوله عزوجل : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) يعني فقيرا فأغناك بمال خديجة ثم بالغنائم ، وقيل أرضاك بما أعطاك من الرّزق ، وهذه حقيقة الغني (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس» العرض بفتح العين والراء المال (م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه» وروى البغوي بإسناد الثّعلبي عن ابن عباس قال ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سألت ربي عزوجل مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : يا رب إنك آتيت سليمان بن داود ملكا عظيما ، وآتيت فلانا كذا وفلانا كذا قال يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك؟ قلت بلى يا رب» قال : ألم أجدك ضالًّا فهديتك؟ قلت بلى يا رب قال ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت بلى يا رب زاد في رواية «ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قلت بلى يا رب».
فإن قلت كيف يحسن بالجواد الكريم أن يمن بإنعامه على عبده ، والمن مذموم في صفة المخلوق ، فكيف يحسن بالخالق تبارك وتعالى.
قلت إنما حسن ذلك لأنه سبحانه وتعالى : قصد بذلك أن يقوي قلبه ، ويعده بدوام نعمه عليه فظهر الفرق بين امتنان الله تعالى الممدوح وبين امتنان المخلوق المذموم لأن امتنان الله تعالى زيادة إنعامه ، كأنه قال ما لك تقطع رجاءك عني ألست الذي ربيتك وآويتك وأنت يتيم صغير أتظنني تاركك ومضيعك كبيرا. بل لا بد وأن أتم نعمتي عليك فقد حصل الفرق بين امتنان الخالق ، وامتنان المخلوق ، ثم أوصاه باليتامى ، والمساكين ، والفقراء فقال عزوجل :
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما ، وقيل لا تقهره على ماله فتذهب به لضعفه ، وكذا كانت العرب في الجاهلية تفعل في أمر اليتامى يأخذون أموالهم ، ويظلمونهم حقوقهم روى البغوي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ثم قال : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ويشير بإصبعيه» (خ) عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة ، والوسطى ، وفرج بينهما» (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) يعني السائل على الباب يقول لا تزجره إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا برفق ولا تكهر بوجهك في وجهه وقال إبراهيم بن أدهم : نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم النّخعي