أهل الشرك وأصحاب المقالات؟ فقلت : جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بني ، فقال لي : وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت : إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء ، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر ، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة ، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا : صحح وحدانيته ، وإن قلت : إن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رسول الله قالوا : أثبت رسالته ، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ، ويغالطونه حتى يترك قوله ، فاحذرهم جعلت فداك ، قال : فتبسم عليهالسلام ثم قال : يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي؟ (١) قلت : لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله ، فقال لي : يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ، قلت : نعم ، قال : إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم ، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له ، فعند ذلك تكون الندامة منه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له : جعلت فداك ابن عمك ينتظرك ، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه ، فقال له الرضا عليهالسلام : تقدمني فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ، ثم توضأ عليهالسلام وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه ، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون ، فإذا المجلس غاص بأهله
__________________
أي كامل الاظلام ، ونور نير أي كامل في النورية ، وجمال جميل أي كامل في الجمالية ، ولا يبعد أن يراد بها الروح ، فإن للإنسان لطافة هي روحه وكثافة هي بدنه ، أي روح العراقي غير غليظة لا تقف دون ما يرد عليه من المسائل بل تلج فيه وتخرج منه بسهولة وتكشف حق الأمر وحقيقة الحال.
١ ـ في العيون ( أفتخاف أن يقطعوا علي حجتي ).