الرابع عشر : قوله تعالى : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١).
وجه الاستدلال : أنّ المقصود من ذلك التحذير من فعل الشرّ والتحريض على فعل الطاعة ، ولا يتمّ الغرض من ذلك إلّا بالمعصوم ؛ لما تقدّم (٢) من كونه لطفا يتوقّف حصول الغرض من التكليف عليه ، فيجب نصبه ، وإلّا لزم نقض الغرض.
الخامس عشر : إنّما يحسن مجازاتها على فعل القبيح بشرط فعل جميع الشروط التي هي من قبله تعالى ، والتمكين التامّ ، وأعظم الشرائط المعصوم ، فقبله لا يحسن.
السادس عشر : القوّة الشهوية والغضبية ليستا مقدورتين لنا ، وفائدتهما أنّه لولاهما لم يكن في التكليف كلفة ومشقّة ، وإلّا (٣) لكان الفعل والترك متساويين بالنسبة إلى القدرة ، ولا مرجّح لفعل القبيح إلّا هما ، فإن انتفتا كان فعل القبيح بمجرّد قبحه وكشف الشرع له قريبا من الممتنع ، فلم يحتج إلى التحذير التامّ ، والزجر الوافر الأقسام ، [فاقتضت] (٤) الحكمة خلقهما.
والعقل لا يفي بترجيح ترك مقتضاهما ، فإنّهما أغلب في أكثر الناس ، وطاعة كثير من الناس للقوى الوهمية أكثر من طاعتهم للقوى العقلية ، ولو لا وجود شيء آخر يقتضي [ترجيح ترك] (٥) مقتضاهما لكان فعل مقتضاهما يقرب من الإلجاء والإكراه ، فما كان يحسن العقاب على فعل المعاصي.
وليس المعاون للعقل قوة داخلية ، بل لا بدّ وأن يكون خارجيا وهو الرئيس ، ولا يتسلسل ، بل لا بدّ من الانتهاء إلى من يتمكن من دفع شهوته بقوّته العقلية ، وتكون القوّة العقلية فيه وافية بذلك.
__________________
(١) آل عمران : ٢٥.
(٢) تقدّم في البحث الرابع من المقدمة.
(٣) لم ترد في «ب» : (إلّا).
(٤) في «أ» : (واقتضت) ، وما أثبتناه من «ب».
(٥) في «أ» و «ب» : (بترجيح تلك) ، وما أثبتناه للسياق.