والجواب من وجهين :
الأوّل : أنّ الأمر بالقطع لا بالتوصّل إليه ، وقد تقدّم ذلك فيما قرّرناه (١).
الثاني : أنّه يصحّ أن يقال في الإمام : إنّه قطع السارق ، ويفهم عرفا أنّه أمر بالقطع ، كما يفهم حقيقة في الحدّاد أنّه قطع إذا باشر ، فيصحّ أن يكون حقيقة فيهما ، في حقّ الإمام عرفا ، وفي حقّ الحدّاد لغة.
أمّا العاقدون للإمامة ، ف لا يقال : إنّهم قطعوا السارق ، بمعنى أنّهم عقدوا عقد الإمامة ، كمن أمر بقطع السارق ؛ لبعد ذلك في اللغة. وإن جعل مجازا كان بعيدا في الغاية ، واللفظ لا يحمل على مجازه البعيد في الغاية مع وجود الحقيقة.
وأقول : لفظ (القطع) حقيقة في المباشر ، وقد يطلق على السبب مجازا لسببيّته (٢) ، والأسباب تتفاوت في القرب والبعد ، وفي العموم والخصوص ، ويتفاوت بذلك المجاز في الأولويّة. والأمر بالقطع بعض الأسباب ؛ إذ ليس علّة تامّة ، والعقد سبب بعيد عامّ ، والأمر أقرب منه ، فلا يجوز الحمل على العقد مع وجود الحقيقة والقريب وإمكانهما ، خصوصا السبب البعيد العامّ ، فإنّه يكاد أن يكون من الأسباب الاتّفاقية (٣) ، فلا يجوز حمل اللفظ عليه.
واعلم أنّ القائلين بوجوبها عقلا على [الأمّة] (٤) لا على الله تعالى ذكروا شبها :
__________________
(١) قرّره في قوله : (لأنّا نقول : الآية دلّت بذاتها على القطع ...) في نفس هذا الوجه التاسع والعشرين.
(٢) في «ب» : (لسببيّة) بدل : (لسببيّته).
(٣) الأسباب الاتّفاقية : كون الأمر الكائن في نفسه غير متطلع ولا متوقّع إذ ليس دائما ولا أكثريا ، فيصلح أنّ يقال للسبب المؤدّي إليه أنّه اتّفاق. والاتّفاق سبب من الأمور الطبيعية والإرادية بالعرض ليس دائم الإيجاب ولا أكثري الإيجاب ، وهو فيما يكون من أجل شيء وليس له سبب أوجبه بالذات. انظر : الشفاء (الطبيعيات) ١ : ٦٤ ـ ٦٥.
(٤) في «أ» : (الإمامة) ، وما أثبتناه من «ب».