ذلك طلبا منه أن يجعل من ذرّيّته أئمّة ، كما طلب أن يجنّبهم عبادة الأصنام : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(١). قال : وهذا الذي قاله الجبّائي ليس في الكلام ما يدلّ عليه ، بل الظاهر خلافه. (٢)
قلت : وما ذكره الجبّائي أقرب إلى أدب الأنبياء ، لا يسألون الله إلحافا ولا يحمّلون في مسألتهم لله فلا يسأل الله نبيّ أن يجعل من ولده نبيّا أو إماما ، وهو منصب إلهي ، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ملحوظة
قد يتأيّد كون سؤال إبراهيم طلبا لا مجرّد استعلام ، بأنّ طلب الذرّيّة وكونهم صالحين من خير آمال أهل الإيمان والصلاح ، وجري مع سنّة الله الحكيمة في الخلق. وقد جاء مدحه في القرآن الكريم : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً)(٣).
غير أنّ الإمامة هنا بمعنى الأسوة ، ليشتمل الذراري على جماع أوصاف الكمال ، وليتّخذهم المتّقون ـ وهم المتعهّدون في حياتهم الإنسانيّة الكريمة ـ أسوة يسيرون على منهجهم في مسيرة الصلاح والفلاح.
أمّا الإمامة في سؤال إبراهيم فهي بمعنى القدوة ، وليقوموا بقيادة الأمّة إلى حيث الفلاح والنجاح نظير الإمامة التي منحها الله لإبراهيم في لزوم اتّباعه وإطاعته (٤) ، امتدادا لإطاعة الله المفروضة على العباد.
والخلاصة : أنّ الإمامة هنا هي الرئاسة العامّة في شؤون الدين والدنيا ، الأمر الذي يفوق مسألة التأسّي بذوي الصلاح؟!
__________________
(١) البقرة ٢ : ٣٥.
(٢) التبيان ١ : ٤٤٧. وهكذا ذكر الرازي عن بعضهم : أنّه سؤال على سبيل الاستعلام. (التفسير الكبير ٤ : ٤٠)
(٣) الفرقان ٢٥ : ٧٤. وراجع : تفسير التسنيم للآملي ٦ : ٤٦٨.
(٤) قال الجصّاص : فثبت بدلالة الآية بطلان إمامة الفاسق. وأنّ من نصب نفسه لهذا المنصب وهو فاسق ، لم يلزم الناس اتّباعه ولا طاعته. حيث قال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». (أحكام القرآن ١ : ٧٠).