فهو يفسد فى الأرض ، وأنت يا ربّ تريد عمارتها ، فيارب كيف تجعل فيها من يفسد فيها؟ استفهام من لون التعليم لا الإعتراض ، ونحن أولى ، لأن أعمالنا تسبيحك وتقديسك.
قال الحق سبحانه : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أى أعلم كيف تصلح الأرض ، وكيف تعمّر ، ومن أصلح لعمارتها ، فهذا خلق فيه دواعى الخير والشر ، فبالخير والشر تصلح الدنيا ، وتعمّر ، وبهذا تظهر حكمة إرسال الأنبياء والرسل ..
وإن أردتم موضع السر ، فإنى قد علّمت آدم أسماء الأشياء المادية ، التى بها تعمر الدنيا ، وتصلح إلى الأبد ، ثم عرض ـ عز شأنه ـ هذه الأشياء على الملائكة ، وقال لهم : أخبرونى بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فى دعوى أنكم أحق بالخلافة من غيركم .. فوقفوا عاجزين ، وقالوا : (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ٣٢]
أى سبحانك أن يحيط أحد بشىء من علمك من غير تعليمك ، فأنت العليم بكل شىء ، الحكيم فى كل صنع. كما قال عزوجل : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٥٥]
(قالَ : يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة : ٣٣] أى أعلم السر كما أعلم العلانية.
قال المولى ـ عزوجل ـ يا آدم : أخبرهم بأسمائهم ، فلما أخبرهم بالأسماء أدركوا السرّ فى خلافة آدم وبنيه ، وأنهم لا يصلحون لعدم استعدادهم للاشتغال بالماديات ، التى لا تقوم الدنيا إلّا بها ، إذ هم خلقوا من النور ،