وآدم خلق من الطين ، فالمادة جزء منه. وهنا قال الحق ـ سبحانه ـ ألم أقل لكم إنى أنا العالم بكل شىء ، ما غاب ، وما حضر فى السموات والأرض ؛ وأعلم ما ظهر وما تبدون وما تكتمون.
قال سعيد بن جبير ومجاهد : إن المراد بقوله تعالى : (وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ) ما قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) وبقوله : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) المراد بهذا الكلام إبليس ، حين أسر الكبر والنفاسة على آدم ـ عليهالسلام.
وقال الحسن وقتادة : (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) قولهم : لن يخلق ربنا خلقا إلّا كنا أعلم منه ، وأكرم عليه منه.
وقال الله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤]
هذا إكرام عظيم من الله تعالى لآدم ، حين خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأمره الملائكة بالسجود له ، وتعليمه الأشياء. ولهذا قال له موسى ـ كليم الله ـ حين اجتمع هو وإياه فى الملأ الأعلى ، وتناظرا : أنت آدم أبو البشر ، الذى خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وعلّمك أسماء كل شىء .. وهكذا يقول له أهل المحشر يوم القيامة.
وقال سبحانه فى الآية الأخرى :
(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. قالَ : ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ قالَ : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١١ ، ١٢]