فبعث الله نارا ، حتى إذا كانت فوقهما ، دنا منها عنق فاحتمل قربان هابيل ، وترك قربان قابيل ، فانصرفوا. وعلم آدم أن قابيل مسخوط عليه ، فقال : ويلك يا قابيل ، ردّ عليك قربانك ، فقال قابيل (لأبيه) : أحببته فصليّت على قربانه ، ودعوت له فتقبّل قربانه ، وردّ علىّ قربانى ، فقال قابيل لهابيل : لأقتلنّك وأستريح منك ، دعا لك أبوك ، فصلّى على قربانك فتقبّل منك ، وكان يتواعده بالقتل.
وفى رواية لابن جرير الطبرى : فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة ، وتركت الزرع ، وأن ابن آدم قال لأخيه : أتمشى فى الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبّل منك ، وردّ على ـ فلا والله لا ينظر الناس إلىّ ، وأنت خير منّى ، فقال لأقتلنك ، فقال له أخوه : ما ذنبى .. إنما يتقبل الله من المتقين.
فهذا الأثر يقتضى أن تقريب القربان كان لا عن سبب ، ولا عن تدارىء فى امرأة ـ كما تقدم ـ وهو ظاهر قوله تعالى :
(إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ، قالَ : لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ : إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة : ٢٧]
فالسياق يقتضى إنه إنما غضب عليه وحسده بقبول قربانه دونه.
ثم المشهور عند الجمهور ـ أن الذى قرّب الشاة هو هابيل ، وأن الذى قرب الطعام هو قابيل ، وأنه تقبل من هابيل شاته ، حتى قال ابن عباس وغيره : إنها الكبش الذى فدى به الذبيح اسماعيل ـ عليهالسلام ـ وهو مناسب. والله أعلم.
(قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أى قال قابيل لأخيه هابيل لأقتلنّك ، قال : لم؟ .. قال : لأنه تقبل قربانك ولم يتقبل قربانى ، قال : وما ذنبى فى أن الله لم يتقبل منك ، فأصلح نفسك ، وقدّم مخلصا لوجه الله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) أى إنما يتقبل ممن اتقى ربه ، وأخلص نيته.