وروى عن ابن عباس ، أنه قال : مكث يحمل أخاه فى جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين فرآهما يبحثان ، فقال : (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ) فدفن أخاه.
وروى مجاهد : أنه كان يحمله على عاتقه مائة سنة ميتا ، لا يدرى ما يصنع به ، يحمله ويضعه على الأرض حتى رأى الغراب يدفن الغراب.
وفى رواية : لما قتله ندم ، فضّمه إليه حتى أروح ، وعكفت عليه الطيور والسّباع تنتظر متى يرمى به فتأكله ، حتى رأى الغراب يدفن الغراب.
وذكر أهل التوراة : أن قابيل لما قتل أخاه هابيل ، قال له الله عزوجل ـ يا قابيل .. أين أخوك؟
قال : ما أدرى ، ما كنت عليه رقيبا ، فقال الله : إن صوت دم أخيك لينادينى من الأرض الآن! أنت ملعون من الأرض التى فتحت فاها فتلقّت دم أخيك من يدك ، فإن أنت عملت فى الأرض ، فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها فى الأرض (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) أى علاه الله بندامة بعد خسران. من أجل ذلك نزل قانون السماء فى القصاص :
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢]
أى بسبب هذا الجرم الشنيع ، والفعلة النكراء ، التى فعلها ابن آدم ، كتبنا على بنى اسرائيل هذا ، وإنما خصّهم القرآن بالذكر ، وإن كان القتل محرما قبلهم فى الأمم السابقة ، لأن التوراة أول كتاب حرّم فيه القتل ، بسبب طغيانهم وسفكهم دماء الأبرياء ، وقتلهم الأنبياء بدون حق بسبب الحسد والحقد الكامن فى نفوسهم.