كتب الله ـ سبحانه وتعالى ـ على بنى إسرائيل ومن بعدهم ، أنه من قتل نفسا بغير نفس ، أى بدون قصاص ، أو بدون فساد فى الأرض ، يزلزل الأمن والطمأنينة ، ويهلك الحرث والنسل ، من يفعل شيئا من ذلك فكأنما قتل الناس جميعا ، واعتدى على المجتمع البشرى كله.
* إن الباحث المدقّق فى قصة ابنى آدم ، يجدها من أبرز صور التصريف البيانى بالقصص القرآنى ، ذلك أن القرآن العظيم ، علاوة على روايتها ، قد بيّن بعض الأحكام الشرعية ، التى تتصل بقتل النفس وبالقصاص وبالسعى فى الأرض فسادا ، وفى الخروج على المجتمع الإنسانى.
فجاء هذا البيان إثباتا للأحكام الشرعية ، وتدعيما لها ، وفى ذلك إثبات أيضا ـ أن هذه الأحكام متفق عليها فى كل الشرائع السماوية ، وتبين أنها غير قابلة للنسخ ، بل هى مؤكدة ثابتة.
ولقد أراد الحق ـ سبحانه ـ فى هذه القصة ، إعلام البشر أن حكمة مشروعية هذه الأحكام قائمة والغاية منها ثابتة.
إن هذه القصة تثبت أن الغيرة قاتلة ، والحسد مرض ، وكلاهما يؤدى إلى التهور والاعتداء ، وارتكاب الكبائر ، وأن ذلك القتل قد يحدث بين أقرب الناس بعضهم لبعض ، وهم الإخوة ، وأنه لا علاج للحسد بإخراجه من النفوس ، فهو فيها دفين كامن. نعم .. إنه مرض ، ولكنه مرض لا يمكن أن يكون منه شفاء ، والناس ليسوا سواء ، فمنهم شقى وسعيد ..
وإذا كان الأمر كذلك ـ فلا علاج إلا ببتر من استكن فى قلبه ـ هذا المرض ـ إن تعدى استجابة له ـ والاعتبار فى النّظم ـ لصلاح الجماعة ،