الإنسانية لاعتداء المعتدين المفسدين ، ومن أحياها بالقصاص من القاتل ، فكأنما أحيا الناس جميعا ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) [البقرة : ١٧٩] ، وإن هذا يدل على أن شرعية القصاص شريعة أزلية خالدة باقية ، وأنها كانت فى الشرائع السابقة ، ولم تخل شريعة من شرائع النبيين الكرام منها ، ولقد ذكرت بحكمتها ونتيجتها ، وهى إحياء للأمة ، وإهمالها إهانة لها (١)
ولا شك أن ذلك تصريف بيانى قرآنى فى بيان الأحكام.
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا ، أَوْ يُصَلَّبُوا ، أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ ، أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ، ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)
[المائدة : ٣٣]
أى لا جزاء للذين يحاربون الله ورسوله ، ويسعون فى الأرض فسادا إلا ما ذكره الله من التقتيل ، أو الصّلب ، أو تقطيع الأيدى والأرجل من خلاف ، أو النفى من الأرض. وهذه الآية وإن كانت قد نزلت فى ناس من عكل وعرينة ـ كما أشرنا آنفا ـ قدموا إلى النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتكلموا بالإسلام ، فأكرمهم رسول الله ، وقدّم لهم إبل الصدقة .. حتى إذا كانوا ناحية الحرّة ، كفروا بعد إسلامهم ، وقتلوا الراعى ، واستاقوا الإبل. إلّا أن الظاهر من الآية أنها عامة ، لكل من يفعل هذا العمل الشنيع فى دار الإسلام سواء كان مسلما أو غير مسلم.
والله ـ عز شأنه ـ أنزل هذه الآية بهذا التشديد فى العقاب ، لسدّ ذريعة هذه المفسدة ، وهى العبث بالأمن بين ربوع الدولة ، واضطراب الناس فيها ، ومع هذا حرّم المثلة وتشويه الأعضاء.
__________________
(١) الشيخ محمد أبو زهرة : المعجزة الكبرى ص ٢١٤ طبع دار الفكر العربى.