الذين أرادوا أن ينفّروا من حكم التوراة فى مجرم ارتكب جريمة ، لاجئين إلى النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ظانّين إن عنده حكما أخف من حكم التوراة ، لهوى فى نفوسهم :
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ ، أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ، فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ، وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً ، وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ، إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ، ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ ، وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ ، فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
[الآيات من ٤٢ ـ ٤٥ من سورة المائدة]
ونرى فى هذا النص الكريم بيانا للأحكام الشرعية الخاصة بالقصاص ، فى تفصيل محكم مستقر مقنع ، فهو يجعل القصاص فى الأطراف ـ كما هو ثابت فى النفس ، بل إنه يثبت القصاص فى الجروح ، ويوثق الأحكام بأنها نفذت فى الإنجيل ، إذ جاء الإنجيل مصدقا لما بين يديه من التوراة ، ويوثقها بأن القرآن مصدق لما جاء فى التوراة ، ولكن له هيمنة وسلطانا يبغى ما يبغى ، وينسخ ما ينسخ ، وما يثبت أنه نسخ من أحكامها فهو منسوخ ، لأن له الهيمنة الكاملة.
وفى القصاص الشريعة باقية ، وفى التوراة ـ كما هو فى القرآن ـ جواز العفو عن القصاص إذ يقول سبحانه (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ.)