وحين توقّف الجدال والحوار .. وحين لم ينفع تحليل وتوضيح .. حوّل نوح دعوته إليهم من نطاق الجدال والحوار إلى نطاق بيان الحجّة.
فى هذه المرحلة تحدث نوح عن دعوته ، وبيّن معالمها المستمدة من قدرة الله الخالق القادر على كل شىء ، العليم بكل شىء ..
قال نوح : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) [نوح : ١٠ ـ ١٢]
فهو هنا يذكر أنه قال لهم : استغفروا ربكم ، وتوبوا إليه ، إنه يقبل التوبة عن عباده ، ويعفو عن السيئات ، إنه كان غفارا ، على أنكم إن آمنتم بربكم يرسل السماء عليكم بالمظر الغزير ، الذى يخصب الأرض ، ويأتى بالخير ، ويمددكم ربكم عند ذلك بأموال جمة نافعة ، وأبناء وذرية صالحة ، ويجعل لكم جنات وبساتين ، ويجعل لكم فيها الأنهار والعيون. أى أنكم إن آمنتم ، أمدكم بسعادة دنيوية تكفل لكم حياة رغدة ، وعيشة راضية.
ولكن قوم نوح لم يؤمنوا أيضا برسالته ، ولم يستجيبوا لدعوته .. فناقشهم بقوله :
(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً؟) [نوح : ١٣ ، ١٤]
قال : ما لكم ـ تبّت لكم ـ لا ترجون وقارا كائنا لله؟ ، والوقار : العظمة ، والرجاء الخوف أو الاعتقاد ، فكأنه قال : أى سبب حصل لكم حال كونكم غير خائفين أو غير معتقدين لله تعالى عظمة توجب عليكم الإيمان بالله ، والطاعة لرسوله؟ إن هذا لشىء عجيب ، وشىء تنكره العقول السليمة.