ومعنى إغواء الله على إرادته ، أن يكونوا من الغاوين ، لا خلق هذه الغواية فيهم.
قال ابن جرير : الغواية بالهلاك (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم : ٥٩]
إن الله يريد أن يغويكم ، هو ربكم ، ومالك أمركم ، وإليه ترجعون.
ولكن قومه مع هذا الأسلوب اللّين ، والعرض الجميل أصروا على كفرهم وعنادهم .. وهنا ناجى نوح ربه ، وقال أسفا :
(قالَ رَبِّ .. إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً. فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً. وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً. ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً. ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) [نوح ٥ ـ ٩]
قال : ربّ إنّى دعوت قومى ـ كما تعلم ـ إلى الإيمان والطاعة ، ليلا ونهارا ، وسرّا وإعلانا ، فلم أر منهم إلّا عنادا واستكبارا عن الحق ، وعن الصراط المستقيم ، وإنّى كلما دعوتهم إلى الإيمان ، لتغفر لهم أصمّوا آذانهم عن سماع تلك الدعوة ، وحجبوا عيونهم عنها ، وأصروا واستكبروا استكبارا.
لقد صوّر القرآن الكريم حالهم العجيبة ، حيث عبّر عن عدم سماعهم بأنهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم ، والجعل يقضى دوام الوضع ، والأصابع يفهم منها المبالغة فى السّد ، فإن الذى يوضع طرف الإصبع ـ لا الإصبع كله ـ وانظر إلى قوله : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) فإن المعنى أنهم بالغوا فى التغطى بها مبالغة كأنهم طلبوا من ثيابهم أن تغشى جسمهم كله ، لا عيونهم فقط.
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) أى ثم إنى أعلنت لهم الحال ، وبيّنته لهم على كل وضع بحيث جمعت بين الإعلان والإسرار.