عاما ، ولكن ما زادهم ذلك إلّا فرارا ، وعتوّا واستكبارا ، حتى ضاقوا به ذرعا ، وضاق بهم ذرعا ، وكبر عليهم مقامه ، وبلغ السيل الزّبى ، وهنا وصلوا معه إلى المرحلة الحاسمة ، وهى مرحلة اشتداد الحال حتى استعجال العذاب ، بعد أن نفذ صبرهم ..
لذلك (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [هود : ٣٢]
قالوا : يا نوح قد خاصمتنا وحاججتنا فأكثرت جدالنا ، ولم تدع لنا حجة إلّا أبطلتها ورددتها حتى سئمنا ومللنا ، فائتنا بما تعدنا به من العذاب فى الدنيا أو فى الآخرة إن كنت من الصادقين فى قولك : (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) [هود : ٣]
فردّ عليهم نوح بقوله : إن الذى أعدكم به ، وأخاف عليكم منه بيد الله لا بيدى ، وأمره إلى الله فقط ، إن شاء أنزله فورا ، وإن شاء أجّله ، على أنكم لستم بمعجزين الله هربا ، فأنتم فى ملكوته ، وتحت قبضته ، ولا ينفعكم نصحى لكم ، وإخلاصى معكم فى شىء أبدا ، إن أردت ذلك ، إن كان الله يريد أن يغويكم ، فلا ينفعكم نصحى أبدا ، إذ قبول النصح ، والانتفاع به يكون للمستعد للخير ، القابل له ، أما إذا فسدت النفس ، وران على القلب الحجاب ، فلن يرى النور ، ولن ينتفع به ..
(قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ، هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود : ٣٣ ـ ٣٤]