ـ وقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين ، فذكر أنه غفور رحيم ، كقوله جل جلاله (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف : ١٦٧]
ـ وقوله : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) أى السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذى قد طبق الأرض ، حتى طغت على رؤوس الجبال ، وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا ، وقيل : بثمانين ذراعا. وهذه السفينة جارية على وجه الماء ، سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته ، وحراسته ورعايته ، كما قال سبحانه : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة : ١١ ، ١٢]
وقال تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ. تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ. وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٣ ـ ١٥]. فهذا تصوير للسفينة ، وقد سارت وسط المياه .. إنه تصوير إلهى ، فهى تجرى بهم ، وتسير بسرعة دافقة ، وسط أمواج كالجبال الشاهقة ، فى ارتفاعها وعظم حجمها.
* ولا تتم قصة الصراع المرير ، بين الإيمان والكفر على عهد نوح ، بغير جانبها الإنسانى والعاطفى. لتؤكد أن الإيمان لا يعرف الفروق بين إنسان وإنسان ، وأن العقاب الذى قد يحل بالذين يقفون فى وجه الإيمان ، لا يعرف العاطفة ولا المحسوبية ، بل هو العدل الإلهى ، يتجلى فى صورته الكاملة ، فلا يجامل حتى عاطفة الذين بعثهم الله لينهضوا بمسئولية الدعوة إلى الإيمان.
وكانت تتمة قصة نوح مع قومه ـ هى مأساة ابنه ، الذى انحاز إلى القوم الكافرين ، فلم تدفع به الهداية ، ولا حتى مجرد الطاعة للأب ، أو العاطفة البنوية ، ليكون مع والده ضد أعدائه من بنى قومه.