ويكشف القرآن عن كل هذا التفاعل بين الإيمان ، وبين العاطفة الأبوية ، والصراع النفسى ، الذى يوجد فيه أب يرى ابنه يهلك ، وربما بسببه فيما تخيّل النفس الأمارة بالسوء ، ويأتى هذا الكشف القرآنى عن طريق الحوار.
(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ ـ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ : يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ. قالَ : سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ ، قالَ : لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ .. وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ .. فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
[هود : ٤٢ ، ٤٣]
لما رأى نوح نهاية القوم ، أخذته عاطفة الأبوة ، واستولت عليه ونادى ابنه ، وكان فى مكان منعزل عنه : يا بنى .. اركب معنا سفينة النجاة ، وإياك يا بنى أن تكون من الكافرين المهلكين ، وكان هذا الإبن عاصيا لوالده ، غير مطيع لأمره ، كافرا برسالته ووحيه ، ولذا قال مجيبا أباه : سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء .. معتقدا بجهله ، أن الطوفان لا يبلغ رؤوس الجبال ، وأنه لو تعلّق فى رأس جبل لنجّاه من الغرق.
نوح يبصّر ابنه طريق الخير ، فيأبى إلّا طريق الشر ، ويقول : سألجأ إلى جبل يحفظنى من طغيان الماء ، كأنه فهم أنه ماء من بحر أو نهر له حدّ محدود ، يقف أمام ربوة عالية ، أو جبل شامخ ، قال نوح ردّا على كلامه وحجته الواهية : يا بنى لا شىء فى الوجود يعصم أحدا من أمر الله إذا نزل ، ويرد قضاءه إذا حكم ، لكن من رحم الله من الخلق ، فهو وحده يعصمه ويحفظه ، وقد جعل السفينة منجاة للمؤمنين. وبينما هما فى هذا النقاش والحوار .. حال بينهما الموج