وفى رواية : إنها بقيت إلى أول الإسلام على جبل الجودى ، أو نوعها جعله للناس تذكرة لنعمه على الخلق كيف أنجاهم من الطوفان ـ كما قال تعالى :
(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) ـ إلى قوله ـ (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [يس : ٤١ ـ ٤٤]
وقيل بعدا وهلاكا وطردا وعذابا أليما للقوم الظالمين.
يقول المفسرون : إن هذه الآيات من البلاغة بالمحل العالى ، والمكان المرموق.
ولما رأى نوح نهاية القصة ، وقد ختمت بهلاك الكافرين ، ومنهم ابنه ، ساورته أحاسيس العطف على ابنه ، والأسف العميق على نهايته ، فنادى ربه فقال :
(رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥]
أى رب .. إن ابنى من أهلى ، وقد وعدتنى بنجاتهم ، وإن وعدك الحق ، وقولك الصدق ، وحكمك العدل ، وأنت خير الحاكمين ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ..
(قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ٤٦]
مع الإيمان تنتفى علاقة الأبوة والبنوّة ، وتبقى علاقة واحدة هى التى تربط المؤمن بالمؤمن ، أو تفصل الكافر عن المؤمن ، وقد أكد الله سبحانه لنوح : أن ابنه ليس من أهله ، وأنه لن يرحم أحدا لمجرد أنه ابن لرسوله أو نبيّه ، ما دام عمله غير صالح ..