قال الإمام الرازى : إن ذا القرنين لما بلغ أقصى المغرب ، ولم يبق شىء من العمارات ، وجد الشمس كأنها تغرب فى عين وهدة مظلمه ، وإن لم تكن كذلك فى الحقيقة ، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب فى البحر ، إذ لم ير الشطّ ، وهى فى الحقيقة تغيب وراء البحر. (١)
وقال ابن عباس : وجدها تغرب فى عين حامية أى حارّة.
قال ابن جرير : والصواب أنهما قراءتان مشهورتان (حمئة وحامية) ولا منافاة بين معنييهما ، إذ قد تكون (حارة) لمجاورتها وهج الشمس عند غروبها ، وملاقاتها الشعاع بلا حائل ، و (حمئة) أى فى ماء وطين أسود.
عن عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال : نظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ إلى الشمس حين غابت فقال : «فى نار الله الحامية لو لا ما يزعمها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض».
(وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) قال ابن جرير : مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لو لا أصوات أهلها لسمع الناس وجوب الشمس حين تجبّ. قال هشام ابن يوسف : أمة من الأمم ، ذكروا أنها كانت أمة عظيمة من بنى آدم.
(قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ : إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) ـ أى قلنا له بطريق الإلهام : إما أن تقتلهم أو تدعوهم بالحسنى إلى الهداية والإيمان ، معنى هذا أن الله تعالى مكّنه منهم ، وحكّمه فيهم ، وأظفره بهم ، وخيّره إن شاء قتل وسبى ، وإن شاء منّ أو فدى ، فعرف عدله وإيمانه فيما أبداه عدله وبيانه.
قال المفسرون : كانوا كفرة فخيّره الله بين أن يعذبهم بالقتل ، أو يدعوهم إلى الإسلام فيحسن إليهم.
__________________
(١) التفسير الكبير ٢١ / ١٦٦