هذه النظرة العلمية قد يكون لها ما يبررها ، ذلك أن المفسرين القدماء قد توسعوا توسعا كبيرا فى عرض القضايا النحوية والصرفية ، وحشوا تفاسيرهم بالعديد من المسائل ، التى أثقلت التفسير ، بحيث جعل القارىء يتوه فى خضم هذه الآراء ، والتحليلات ، والمناقشات الفقهية .. إلى آخر هذه المسائل.
كما أنهم تورّطوا تورطا شديدا ، حين نقلوا الكثير من الإسرائيليات المدسوسة فى مصنفاتهم استنادا إلى الرخصة التى منحها لهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بقوله :
«لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ، وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم ، وإلهنا وإلهكم واحد» (١)
هذه الإسرائيليات كانت سببا فى إفساد المعنى ، الذى يبدو بادى الرأى من الآيات الكريمات. أضف إلى ذلك ، أن بعض كتب التفسير القديمة ، التى أخذت ذلك المأخذ ، واتجهت إلى الإكثار من القصص والأساطير الإسرائيلية ، وضعت ستارا كثيفا بين الآيات الكريمة ، ونورانيّاتها المشرقة.
فهؤلاء العلماء المحدثون ، يريدون أن يجد تالى القرآن الإشراق والنور ، من غير حجب يحجبها ، من روايات ما أنزل الله بها من سلطان.
والذى لا شك فيه ، أن لرأيهم هذا وجاهته ، فإننا بلا شك لو تتبعنا أكثر آيات القرآن ، التى لم تتعرض للأحكام العملية ، نجدها واضحة بينة ، وإن استبهمت علينا بعض الكلمات لبقايا العجمة فينا ، فإن المعاجم اللغوية تحل لنا إشكالنا ، وهو لنقص فينا ـ وليس إبهام فى القرآن ، ينافى وصفه بأنه (مُبِينٌ ،) وآياته (بَيِّناتٍ.) وإذا كان ثمة موضع للتفسير ، فإنه يكون بتوجيه الأنظار لأسرار القرآن البيانية ، والمرتبة العليا البلاغية ، التى لا تناهد ولا تسامى ، وليس فى قوة أحد من البشر أن يأتى بمثلها.
__________________
(١) البخارى : كتاب التفسير ٨ / ١٢٠ من فتح البارى.