وتقدير الكلام : أمر شعيب قومه بعبادة الله وحده ، والوفاء بالكيل والميزان ، وعدم الفساد فى الأرض ، فما كان من أشراف قومه ، الذين استكبروا عن الإيمان بالله ورسله ، وعاثوا فى الأرض فسادا إلّا أن قالوا : تالله لنخرجنّك يا شعيب ، والذين آمنوا معك من بلادنا حتى تسكن الفتنة ، وتهدأ الثورة التى أثرتموها باتخاذكم دينا غير دين الآباء والأجداد ، ليكوننّ أحد الأمرين : إما إخراجكم من القرية ، وإما عودتكم فى ملّتنا ، ودخولكم فى زمرتنا وجماعتنا.
قال شعيب : عجبا لكم إذ تأمروننا أن نعود فى ملتكم ، أنعود ولو كنا كارهين؟ .. إنكم تجهلون موقفنا ، وتأثير العقيدة فى نفوسنا ، فطلبتم منا هذا الطلب.
وردّ عليهم شعيب فى الأمر الثانى المهم فقال :
(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ، رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ)
[الأعراف : ٨٩]
قال : لقد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم ، ملة الكفر والضلال ، إذ الكافر يختلق على الله الكذب ، حيث يدعى أن له شريكا وولدا ، بل المرتد أعظم جرما ، وأكثر كذبا ، حيث يوهم غيره أنه رجع بعد معرفة الحقيقة والواقع ، أنعود إلى ديانتكم بعد أن نجانا الله منها؟ إن هذا لشىء عجيب.
ما أعظم كذبنا وكفرنا ـ إن عدنا فيها بعد أن نجّى الله أصحابى منها وأنا معهم ، وما ينبغى أن نعود فيها أبدا ، ولا يقدر أحد على تحويلنا إليها فى حال من الأحوال ، إلّا فى حال مشيئة الله ربنا ، إذ هو المتصرف فى أمرنا ، وهذا رفض أبلغ. والله واسع العلم ، كثير الفضل ، أعلم بخلقه ، لا يشاء إلّا الخير لهم ،