هذا اعتقادهم فى الله على أنهم قوم مؤمنون حقا ، لا يهمهم تهديد ، ولا يخوّفهم وعيد ، ويقولون : على الله توكّلنا ، وإليه أنبنا ، وما عداه .. فشىء لا يعبأ به أبدا.
وهذا رفض آخر بالدليل.
ثم دعا شعيب ربه لما يئس من قولهم ، فقال : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ) أى أحكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) أى خير الحاكمين ، فإنّك العادل الذى لا يجور أبدا ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق الذى مضت به سنّتك فى التنازع بين المرسلين والكافرين ، بل وبين كل محق ومبطل ، وأنت خير الحاكمين عدلا وإحاطة ونزاهة سبحانك أنت الحكم العدل.
وقالوا أيضا ـ فى سورة هود ـ يهددون شعيبا :
(يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ ، وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ ، وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) [هود : ٩١]
قالوا : (يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ) أى ما نفهم كثيرا من قولك (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) لأنه كان ضرير البصر. قال السدى : أنت واحد ، يعنون ذليلا ، لأن عشيرتك ليسوا على دينك.
(وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) أى لو لا قومك ، ومعزتهم علينا لرجمناك بالحجارة ، لسببناك (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) أى ليس عندنا لك معزّة.
مضمون الآية : قالوا يا شعيب ما نفهم كثيرا مما تقول فهما عميقا ، ولا نفهم له معنى ولا حكمة ، وإنا لنراك فينا ضعيفا لا حول لك ولا قوة ، فكيف يقبل منك هذا الذى يوصلك إلى الرياسة فى الدين والدنيا ، على أنا لو أردنا البطش بك ما منعنا مانع ، ولو لا عشيرتك الأقربون لفتكنا بك فتكا يتناسب مع عملك معنا من ذم آلهتنا ، وطلبك الحجر علينا فى تصرفنا ، أى نقتلك رجما بالحجارة ، وما أنت علينا بعزيز.