وهذا من الأسرار الدقيقة فى كتاب رب العالمين ، وهذا ما يطلق عليه «علم المناسبة»
ومضمون القول : ولما جاء أمرنا ، وحانت ساعة التنفيذ ، نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة خاصة بهم ، وما ذلك على الله بعزيز ، وأخذت الذين ظلموا الصيحة التى أخذت ثمود ، فأصبحوا جاثمين ، وجوههم منكبة على الأرض كالطير الجاثمة ، وأصبحت ديارهم خاوية على عروشها ، كأنهم لم يقيموا فيها وقتا من الأوقات.
ثم قال تعالى : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ)
[هود : ٩٥]
أى كأنهم لما أصابتهم النقمة لم يقيموا بديارهم التى أرادوا إجلاء شعيب وصحبه منها ، ثم قال تعالى : مقابلا لقيلهم (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) وكان قوله سبحانه : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً ..) الآية على سبيل الحصر ، ردّا عليهم فى قولهم : (لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) وحقا الكافرون هم الذين خسروا فى الدنيا والآخرة دون سواهم.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) [الأعراف : ٩٣] أى فتولى عنهم شعيب ـ عليهالسلام ـ بعد ما أصابهم ما أصابهم من العذاب والنقمة والنكال ..
وقال مقرّعا لهم وموبّخا : يا قوم : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أى قد أديت إليكم ما أرسلت به ، فلا آسف عليكم وقد كفرتم بما جئتكم به ، فلهذا قال : (فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ)؟
والمعنى : وأما شعيب فقد تولى عنهم ، وأعرض قائلا يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربى ، وبلغتكم ما فيه صلاحكم فى المعاش والمعاد ، ونصحت لكم ،