وإذا كان ذلك فى ضمن قصة استمكنت فى النفس ، واتجهت إلى مداخلها من غير تعويق من ملاحاة جديدة ، غير ما كان فى عهد النبى الذى ذكرته القصة.
ونظرة فاحصة فى قصة شعيب ـ كما ذكرها القرآن ـ يتضح منها أنها دعوة صريحة إلى ناحية عملية تتصل بالإصلاح الاجتماعى ، ومنع الفساد فى الأرض ، والقيام بحق الأمانة فى التعامل ..
وفى مواضع عدة ـ من قصة شعيب ـ نجده يكرر الدعوة ، ثم يبين سبحانه كيف تقاوم دعوة الحق بالإصرار على الشر ، وكيف كان الإصرار عليه إلى أن يديل الله تعالى بما ينزل بالعصاة ، وبما يؤدى إلى فساد أخلاق الأمة ، لقد قال الله تعالى ـ حكاية لقول شعيب :
(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ، وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ ، إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ ، وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ. وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ، وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الآيات : ٨٤ ـ ٨٦ من سورة هود]
ونرى من هذه المجاوبة أنهم يصرون على ما هم عليه ، ويعدون إرشادهم إلى الحق فى المعاملة تدخلا فى شئونهم المالية ، وكأنهم يظنون أن شئون المال لا صلة لها بالتدين ، كما يجرى على ألسنة بعض الذين لا يريدون بالدين الحق وقارا.
ويبين شعيب ، أنه إذ ينهاهم ـ وهو أول من يتمسك بألا يفعل ما نهى عنه إذا يقول : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) وفى ذلك إشارة إلى أن من يدعو إلى أمر ، يهدمه إن خالفه فى عمله ، وأن الاستجابة إلى الداعى إلى الخير تقتضى أن يكون الداعى مستجيبا له ، وهكذا. فإن الله تعالى يأخذ على بنى إسرائيل أنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، فقد قال تعالى :
(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة : ٤٤] صدق الله العظيم