هذا وقد قدم الشيخ رشيد رضا لتفسيره بمقدمة نفيسة ، وضع فيها بعض الإضافات ، والتفسيرات الدقيقة ، التى استقاها من دروس أستاذه الشيخ محمد عبده ، قال فيها : «للتفسير مراتب ، أدناها : أن يبيّن بالإجمال ما يشرب القلب عظمة الله وتنزيهه ، ويصرف النفس عن الشر ، ويجذبها إلى الخير ، وهذه هى التى قلنا إنها متيسرة لكل أحد.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧]
أما المرتبة العليا : فهى لا تتم إلّا بأمور :
أحدها : فهم حقائق الألفاظ المفردة ، التى أودعها القرآن ، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة ، غير مكتف بقبول فلان ، وفهم فلان ، فإن كثيرا من الألفاظ كانت تستعمل فى زمن التنزيل لمعان ، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن ، قريب أو بعيد ، من ذلك لفظ «التأويل» ، اشتهر بمعنى التفسير مطلقا ، أو على وجه الخصوص ، ولكنه جاء فى القرآن بمعان أخرى ، كقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٥٣]
فما هذا التأويل :
يجب على من يريد الفهم الصحيح أن يتتبّع الاصطلاحات التى حدثت فى الملّة. ليفرق بينها ، وبين ما ورد فى الكتاب ، فكثيرا ما يفسر المفسرون كلمات القرآن بالاصطلاحات التى حدثت فى الملّة بعد القرون الثلاثة. فعلى المدقّق أن يفسر القرآن بحسب المعانى ، التى كانت مستعملة فى عصر نزوله ، والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه ، بأن يجمع ما تكرر فى مواضع منه ، وينظر فيه ، فربما استعمل بمعان مختلفة ، كلفظ «الهداية» وغيره ، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية ، فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه ، وقد قالوا : «إن القرآن يفسر بعضه بعضا». وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة