معنى اللفظ ، موافقته لما سبق له من القول ، واتفاقه مع جملة المعنى ، وائتلافه مع القصد الذى جاء له الكتاب بجملته.
ثانيا : الأساليب .. فينبغى أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة ، وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته ، مع التفطن لنكته ومحاسنه ، والعناية بالوقوف على مراد المتكلم منه.
نعم إننا لا نتسامى إلى فهم مراد الله ـ تعالى ـ كله على وجه الكمال والتمام ، ولكن يمكننا فهم ما نهتدى به بقدر الطاقة ، ويحتاج فى هذا إلى علم الإعراب ، وعلم الأساليب (المعانى والبيان) ، ولكن مجرد العلم بهذه الفنون ، وفهم مسائلها ، وحفظ أحكامها لا يفيد المطلوب.
ثالثا : علم أحوال البشر ، فقد أنزل الله هذا الكتاب ، وجعله آخر الكتب ، وبين فيه ما لم يبين فى غيره ، بين فيه كثيرا من أحوال الخلق ، وطبائعهم ، والسنن الإلهية فى البشر ، وقصّ علينا أحسن القصص عن الأمم ، وسيرها الموافقة لسنّته فيها. فلا بد للناظر فى هذا الكتاب من النظر فى أحوال البشر ، فى أطوارهم وأدوارهم ، ومناشىء اختلاف أحوالهم ، من قوة وضعف ، وعز وذلّ ، وعلم وجهل ، وإيمان وكفر ، ومن العلم بأحوال العالم الكبير ، علويّه وسفليّه ، ويحتاج هذا إلى فنون كثيرة ، من أهمها التاريخ بأنواعه.
أجمل القرآن الكلام عن الأمم ، وعن السنن الإلهية ، وعن آياته فى السموات والأرض ، وفى الآفاق والأنفس ، وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شىء علما ، وأمرنا بالنظر والتفكّر ، والسير فى الأرض لتفهّم إجماله بالتفصيل ، الذى يزيدنا ارتقاء وكمالا ، ولو اكتفينا من علم الكون بنظرة فى ظاهره ، لكنّا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده ، لا بما حواه من علم وحكمة.