وقد ذكر المفسرون والمؤرخون : أن ملك داود كان قويا عزيزا ، لأنه كان يسوسه بالحكمة والقوة معا ، ويقطع ويجزم برأى لا تردّد فيه ، وفى ذلك يقول الحق سبحانه : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) أى قويناه.
قال ابن عباس : كان أشد ملوك الأرض سلطانا ، وكان يحرس محرابه كل ليله ثلاثة وثلاثون ألف رجل.
روى عكرمة عن ابن عباس : أن رجلا من بنى إسرائيل تعدى على رجل من عظمائهم ، فاجتمعا على داود ـ عليهالسلام ـ فقال المعتدى : إن هذا قد غصبنى بقرتى ، فسأل داوود الرجل عن ذلك فجحد ـ أى أنكر ، وسأل الآخر البينة ، فلم يكن له بينة ، فقال لهما داود : قوما حتى أنظر فى أمركما ، فقاما من عنده ، فأوحى الله تعالى إليه فى منامه .. أن يقتل الرجل الذى تعدى ، فقال : هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتبين ، فأوحى الله تعالى إليه مرة أخرى أن يقتله ، فقال : هذه رؤيا ، فأوحى الله تعالى إليه مرة ثالثة أن يقتله ، فأرسل داود إلى الرجل ، فقال له : إن الله تعالى قد أوحى إلى أن أقتلك ، فقال له الرجل : تقتلنى بغير ذنب؟ ولا بيّنة؟ فقال داود : نعم ، والله لأنفذن أمر الله فيك. فلما عرف الرجل أنه قاتله ، قال : لا تعجل علىّ حتى أخبرك ، إنى والله ما أخذت بهذا الذنب ، ولكنى كنت اغتلت ولد هذا فقتلته ، فأمر به داود فقتل ، فاشتدت هيبة بنى إسرائيل عند ذلك لداود ، واشتد له ملكه. فذلك قوله تعالى : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ)(١) فعظم أمر داوود فى بنى إسرائيل جدا ، وخضعوا له خضوعا عظيما.
٢ ـ ويتصل بفصل الخطاب ، تأييد الله له بالسّلسلة. تلك التى أعطاها الله تعالى له ، ليعرف المحقّ من المبطل فى المحاكمة إليه.
__________________
(١) العرائس : للثعالبى ص ٣٠٨ نشر مكتبة الجمهورية بمصر.